الأربعاء، 27 مايو 2009

مياه النيل .. ( الغريق قِدّام )

مياه النيل .. ( الغريق قِدّام )


التقي محمد عثمان


تتسم العلاقات المائية بين دول حوض النيل هذه الايام بنوع من القلق بسبب ما تكشف عنه الاجتماع الاخير للمجلس الوزارى لدول حوض النيل من مخاوف قد تؤثر سلبا على التعاون القائم بين دول الحوض، ويكتنف الغموض مواقف دول الحوض في ما يتعلق بالتنظيم الجديد لمياه النيل، اذ دخلت مبادرة حوض النيل في نفق غير معروف مداه بعد ان تعثر التوقيع على الاطار القانونى فى اجتماعات المجلس الوزارى لدول حوض النيل الذى عقد بعاصمة الكونغو الديمقراطية كنشاسا يومي الجمعة والسبت الماضيين، وجاء في الأنباء ان الوفد السوداني برئاسة المهندس كمال علي وزير الموارد المائية والري غادر الاجتماع الوزاري بعد ان احتج على مناقشة بند الأمن المائي ، وقال الوفد إنه من الناحية الإجرائية لا يجب إعادة النظر في هذا البند في اجتماع المجلس الوزارى الاّ بعد مُوافقة السادة رؤساء الدول على ذلك حيث رُفع الامر الى رؤساء دول حوض النيل لحل الخلاف حول صياغته منذ يونيو 2007م،.
وصبيحة تفشي خبر الخلافات اوضح الدكتور كمال علي محمد وزير الرى، ان موضوع اتفاقية الاطار التعاوني الذي تم إدراجه في جدول اجتماعات المجلس قد تمت احالتها إلى رؤساء دول الحوض في الاجتماعات السابقة، لتنظر فيه، وقال وانه كمسألة إجرائية ينبغي أن تتم اعادته رسمياً إلى المجلس الوزاري قبل النقاش حوله مرة أخرى.
وما وضع الامور على جادة الخلاف رفض مصر الموافقة على توقيع الاطار القانوني والمؤسّسي لمياه النيل بدون وجود بند صريح يحافظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل وقال وزير الري المصري الدكتور نصر الدين علام في تصريحات له عقب اجتماعات المجلس أن مصر اشترطت للتوقيع على الاطار القانوني والمؤسسي أن تتضمن الاتفاقية في البند رقم «14 ب» الخاص بالامن المائي نصاً صريحاً يتضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحقوقها التاريخية في مياه النيل، وأن يتضمن البند رقم «8» من الاتفاق الخاص بالاطار المسبق عن أي مشروعات تقوم بها دول اعالي النيل إتباع إجراءات البنك الدولي وأن يتم إدراج هذه الإجراءات في نص الاتفاقية وليس في الملاحق الخاصة بها.
وكان ان قرر المجلس الوزاري لدول حوض النيل باستثناء مصر تأسيس مفوضية حوض النيل لتعمل على الفراغ من المسودة المتعلقة بالمواد المختلف عليها واقتراح لجنة مراقبين دولية تهدف إلى النظر فيها، وذلك بعد أن فشل المجلس في حل خلافاته المتجذرة حول الأمن المائي.
ويعيق الخلاف حول مسألة الأمن المائي لدول الحوض التوقيع على اتفاقية التعاون الاطاري الجديد التي سيكون مقدراً لها حال اجازتها من دول الحوض التحكم في ادارة الموارد المائية فيه.
ويحذر الخبير السابق بالامم المتحدة وزميل الجمعية البريطانية لمهندسي وعلماء المياه والبيئة الدكتور شرف الدين بانقا من خطورة التنازع حول مياه النيل ويقول في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف في الاول من امس ان مبادرة حوض النيل هي مبادرة للتعاون ويجب ان تستمر هكذا لكي تستفيد الدول من منافع النيل حسب خصائص كل بلد ومزاياه وفقا لمبدأ ( لا ضرر ولا ضرار ) منبها الى ان هذه المبادرة اخذت وقتا طويلا وكان ينبغي ان تكون انفذت كلها.
وهنا نشير الى ان مبادرة حوض النيل التي تأسست عام 1999 هدفت الى وضع استراتيجية للتعاون بين الدول النيلية والانتقال من مرحلة الدراسات إلى مرحلة تنفيذ المشروعات، وقد رفعت المبادرة شعار تحسين معدلات التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر، ولأول مرة انضمت كافة دول حوض النيل في عمل مشترك وهي كينيا اثيوبيا يوغندا تنزانيا السودان الكنغو الديمقراطية رواندا بورندي مصر.
وفي سؤالي له عن رفض مصر التوقيع على اتفاقية الاطار القانوني والمؤسسي وما سيترتب عليه يقول الدكتور شرف الدين بانقا انه ما كان على المصريين ان يتملكهم هذا الخوف او ان يقفوا هذا الموقف السلبي الذي لا يعكس منطقا وليس مدعوما بأي قوة اقناع، مشيرا الى ان الرفض المصري ينسف مبادرة حوض النيل من اساسها. لان المبادرة مبنية على الشراكة واستخدام المزايا التي لكل دولة، مثلا السودان يتميز بالخصوبة الارض، واثيوبيا بامكانيات السدود، والغرض اساسا هو استخدام مياه النيل بصورة مثلى وبانجع السبل، ويتخذ بانقا حوض النيل الشرقي نموذجا لحديثه ويقول ان النيل الازرق صاحب معظم الايرادات ويأتي من الحبشة من علو شاهق وبالتالي حجز المياه واقامة سدود في اثيوبيا يعطي سعة كهربائية كبيرة جدا لان الفارق كبير في المياه وفي علو الجبال وبالتالي المياه ساقطة سقوطا يمكنك من انتاج كمية كبيرة من الكهرباء، وهذه الكهرباء لا تحتاجها اثيوبيا كلها ولا تحتاج لحجز المياه للري لان ليس لديها رقعة زراعية تستوعب كميات هذه المياه ليصبح المستفيد من المياه هو السودان ومصر وكذلك هما المستفيدان من الكهرباء، فاذا جرى تنفيذ شبكات ضغط عال من الكهرباء لنقلها الى مصر والسودان فسوف يتمتعان بكهرباء قوة مائية رخيصة الثمن، اضافة الى ان مصر ستستفيد من مياه نقية باقل معدل طمي كانت تجرفه معها، فضلا عن ان السودان كان يفقد 40% من المياه بسبب الطمي. ويقول بانقا ان التخوف المصري قد يجئ من ان مصر اعتادت اخذ كميات من المياه اكبر من الكميات الموجودة في الاتفاقية نفسها واحيانا قد تأخذ اكثر من 80 مليار. مشيرا الى ان ايرادات النيل مبنية على المتوسط ومصر اعتادت على اخذ كل الكمية. وهي تتخوف من ان تفقد حصة السودان غير المستخدمة وفوائض ايرادات النيل التي هي في العادة اكثر بكثير مما هو وارد في الاتفاقية التي تمنح 59 مليار متر مكعب والسودان 18 متر مكعب.
ويؤكد بانقا انه اذا كان الغرض الاساس من المبادرة هو الشراكة بغرض ان يستفيد الكل ولا يضار طرف وان يتم الاستخدام الامثل لمياه النيل فان الدراسات التي وضعها الاستشاري العالمي الذي عهد اليه امر دراسة كيفية تنمية موارد مياه النيل والذي وصل في النهاية الى ان افضل اسلوب للاستخدام هو اقامة سدود على الحدود الاثيوبية. موضحا المزايا في انه يمكن ان يتم صرف المياه يوميا بدلا من وصولها الى السودان في مواسم الامطار والتي تمتد لشهور قليلة. وكانت تخلق مشاكل في خزان الروصيرص وفي غيره وتتسبب في مشاكل الكهرباء، اضافة الى ان اراضي السودان ومصر يمكن ان تزرع على الفصول الثلاثة لان المياه يتم صرفها بمعدلات يومية ولا توجد فترات ليس فيها مياه. مشيرا الى ان هذا المخطط لا يمنع السد العالي من تخزين المياه ولا يمنع السدود السودانية وايضا لا يمنع قيام سدود في مصروالسودان .
ويشدد الخبير شرف الدين بانقا على ان كل من يعتمد آلية العلم والمعرفة لا يمكنه ان ان يعترض على هذا، ويضيف ليس هنالك منطق للمصريين ليرفضوا هذا الامر ويعود لتوضيح فكرة «لا ضرر ولا ضرار» ويقول ان المعاملات المتعلقة بالموارد الطبيعية التي حبانا بها الله تعالى هذه هي قاعدتها الشرعية، وعندما يحكم هذا المبدأ تصبح المسألة محلولة شرعيا، وهذا المبدأ عادل للمصريين وللآخرين، مشيرا الى ان مخاوف المصريين قد تأتي من جهة المعلومات التي كانوا يحتكرونها والتي يظن المصريون ان الناس سيشاركونهم في المعلومات التي كانوا يحصلون عليها من خلال السد العالي حيث كانوا وحدهم يعرفون عبره ايرادات النيل والمعلومات الخاصة بهيدرولوجية حوض النيل وخصائصه هذه المعلومات هي الآن لدى المصريين لان لديهم نقطة التحكم وهذه ستصبح عند اثيوبيا والسودان ومصر عبر هيئة تكون من الدول الثلاث وستكون هي المتحكمة في التشغيل والبيانات وبرامج التنمية وخلافه وبدل ان كان المصريون يستأسدون بالمعلومات يصبحون ضمن هيئة. ويفند الدكتور شرف الدين بانقا اصل هذه المخاوف ويقول (متى اتفق الناس على الهيئة وتم تشكيلها بعدالة وحيادية يصبح ليس لدى المصريين منطق في رفضها).
وفي ورقة علمية بعنوان (مياه النيل بين السياسة والقانون) تشير استاذة العلوم السياسية بجامعة الزعيم الازهري الدكتورة اكرام محمد صالح الى ان من اهم دواعي الصراع بين دول حوض النيل حاجة الدول للمزيد من المياه وتحصي منها، اولا الحاجة المتزايدة الى الزراعة خاصة زراعة المحاصيل الزراعية الغذائية التي تتطلب الري الدائم في ظل ظروف تذبذب الامطار والجفاف. وثانيا مواجهة خطط تطوير استخدام المياه في كل دول المنابع للاستفادة منها في بناء السدود والخزانات، وتوليد الطاقة الكهرومائية.
وثالثا حماية الامن القومي: فقد صرح الرئيس انور السادات في عام 1979م، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد قائلا: «ان القضية الوحيدة التي يمكن ان تعيد مصر الى الحرب مرة اخرى هي المياه ان الامن القومي لمصر يتمثل في قضية المياه» وفي اثيوبيا، يمكن ملاحظة ان تعرض اثيوبيا للجفاف عام 1972م، ساهم في اسقاط نظام الامبراطور هيلاسلاسي، كما كان للجفاف في عام 1984 ـ 1985م دور في سقوط نظام منقستو هيلا مريام، اما النظام الحالي بقيادة رئيس الوزراء ملس زيناوي، فانه يرى ان مشاريع الري يمكن ان تكفل للبلاد قسطا من الامن الغذائي، كما ان المشاريع الكهرومائية في حوض النيل الازرق تعمل على تسريع وتيرة التصنيع في اثيوبيا، وتساهم في دعم صادراتها الى الاسواق المجاورة.
ورابعا كل دول حوض النيل تتلقى المعونات التي اصبحت الآن ترتبط بمشروعات سياسية قد تمس بسيادة تلك الدول. وخامسا الزيادة الهائلة في عدد السكان: تتفاوت دول حوض النيل التسعة، مصر، السودان، اثيوبيا، كينيا، اوغندا، تنزانيا، بورندي، رواندا، الكنغو الديمقراطية، في تعداد سكانها وفي مساحتها وفي مستوى النمو هذا فضلا عن الاختلاف في التركيبة السكانية والعرقية والثقافية.
وسادسا انعدام الثقة خاصة بين دول المنبع ودولة المصب: تظهر ازمة الثقة بين دول حوض النيل بصورة اكبر عندما تسعى اي دولة من دول الحوض اقامة مشاريع استراتيجية تنموية. وسابعا النزاعات بين دول حوض النيل سواء كانت هذه النزاعات حدودية او غير حدودية لها تأثيراتها على المياه .
وتقول الدكتورة اكرام ان دول حوض النيل على اعتاب مرحلة جديدة ويجب صياغة اتفاقية جديدة بهدف التوصل الى اتفاق جديد بشأن توزيع حصص المياه على كل دول حوض النيل










الخرطوم وباريس .. الحرب اولها كلام

الخرطوم وباريس .. الحرب اولها كلام

تقرير : التقي محمد عثمان


اخيرا وضعت الخارجية السودانية الامور في اتجاه جديد واعلنت ان فرنسا وليس تشاد هي من يقف وراء الازمة الناشبة في حدود السودان الغربية، حيث اتهم المتحدث الرسمي باسم الوزارة السفير علي الصادق، فرنسا بمساندة تشاد ومدها بالمعلومات والمشورة العسكرية للجيش، وجزم في تصريحات صحفية امس بعدم مقدرة تشاد الاقدام على اي عمل عسكري دون هذا السند، محملا باريس مسؤولية ما جرى ويجري الآن بين البلدين.
لتكون الحكومة بذلك قد عبرت الى الضفة الأخرى من الشاطئ الممتلئ بالافيال صاحبة الظلال لتختار اما المواجهة الصريحة ومن ثم تصويب الحديث الى موضعه بدلا من اراقة الوقت وتبديد الجهد في ما لا طائل من ورائه، أو التواري خلف الرمال المتحركة والبحث من جديد عن اتفاقات لا تغني من مشاكسات مع الجارة القريبة تشاد، وفي هذا تقول الصحفية والكاتبة سلمى التجاني في مقالها الراتب بـ الصحافة قبل ايام انه وبدلاً عن بذل الجهود العربية والأفريقية لتحقيق المصالحة مع تشاد، يبدو أنه من الحكمة دخول الدول من أبوابها، والتفاوض مباشرة مع فرنسا في كل ما يتعلق بالشأن التشادي .
ويقول مراقبون ان الاوضاع بين البلدين صارت اقرب الى المواجهة منها الى العلاقات السوية التي قال عنها باتريك كولوزو، سفير فرنسا بالخرطوم، انها علاقة تاريخية، مشيرين الى تصريحات منسوبة للناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية اريك شوفالييه حول تأييد فرنسا لاعتراض طائرة الرئيس عمر البشير في حال سفره للخارج للمشاركة في قمة الدوحة في شهر مارس الماضي، وتصريحات وزير الخارجية الفرنسي، برنارد كوشنير، قبل يومين حول مسؤولية السودان عن اشعال الصراع مع تشاد وسرعة وتفوق الجيش التشادي في الصد.
ويبدو ان التصعيد الفرنسي يسير بمتوالية هندسية حتى وصل الامر الى التعليق على العمل العسكري من جانب الفرنسيين مما دفع بالناطق الرسمي للخارجية للتأكيد على عدم مقدرة تشاد الاقدام على اي عمل عسكري دون السند الفرنسي (ومدها بالمعلومات والمشورة العسكرية للجيش) مما يعني ان الكلام دخل ساحة اخرى اولها كلام.
ولكن استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية البروفيسور صلاح الدومة يحذر في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس من ان فرنسا دولة عظمى ويجب استخدام الطرق الدبلوماسية معها ويقول ان الحل العسكري مستحيل ولا بد من الدبلوماسية مؤكدا ان الاسفار عن العداء او عدمه لا يقدم ولا يؤخر مشيرا الى ان باريس كانت واضحة ومحددة في طلباتها من الخرطوم ومنها التعاون مع المحكمة الدولية ونشر قوات دولية ووقف دعم المعارضة التشادية وتحسين العلاقات التشادية السودانية، مشددا على ان اي حديث عن العلاقات السودانية الفرنسية دون حل ازمة دارفور سيكون ضربا من الوهم، بينما يذهب الصوارمي خالد مدير مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الى ان المسألة ربما كانت مرتبطة بنظرية الفوضى الخلاقة التي تعتبر ركيزة اساسية من ركائز الاستعمار الحديث ويقول في مقال له قبل ايام انه عندما تتحدث الأوساط التشادية عن امكانية تدخلها عسكرياً في السودان فإن الامر فيه خطورة من يتحدث بلسان غيره، هذا الغير قد يكون هو دولة متقدمة لها مصلحة عليا في المنطقة، وهذه المصلحة لا يمكن الوصول اليها الا عبر نظام الفوضى الخلاقة! موضحا ان الجيوبولوتيك الذي تتبناه الدول المتقدمة يعرف الدولة الحديثة (الدولة هي الحدود الإدارية والاقتصادية والعسكرية) ويقول انه وبناء على هذا المفهوم فإن دارفور (مثلاً) وهي في تصور الدول المتقدمة ليس للحكومة السودانية لها عليها سلطان كامل من الناحية العسكرية والادارية والاقتصادية، وبالتالي فهي ليست جزءاً من السودان. وبهذا المفهوم ايضاً فإنهم يعتبرون تشاد الدولة ليس بها حكومة تستطيع حسم الامور هناك بالصورة التي تعبر عن الدولة العصرية، وبالتالي هي عندهم بمثابة أرض فالتة مشروعة.
هذا يقودنا الى ان البعض ينظر الى ان الامر برمته يندرج في اطار نزاع الدول الكبرى على مصالحها في المنطقة ويقول البعض ان فرنسا تريد دوراً موازياً للدور الأمريكي في المنطقة يعزز وجودها ومصالحها وتقول الدكتورة بهجة بشير رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري في حديث نشر من قبل أن فرنسا تتخوف من السودان لكي لا يحرض الدول الإفريقية عليها بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية مشيرة الى إن فرنسا تستعيد نفوذها ووجودها في الدول الإفريقية من خلال مناطق الاشتعال وتسعى لفتح قنوات جديدة في منطقة دارفور وهى تطمع في الثروات المعدنية والبترول السوداني.
ولكن استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية البروفيسور صلاح الدومة يستبعد ان يكون للأمر علاقة بصراع النفوذ بين القوى العظمى ويقول المسألة ليست بهذه البساطة ( وما يحدث الآن لا يدخل في صراع الكبار وانما تبادل ادوار بين امريكا وفرنسا) متسائلا (هل وجد السودان مساندة من امريكا في اختلافه مع فرنسا) ليعود ويقول في كل الاحوال تدفع دول العالم الثالث الثمن سواء اختلف الكبار او اتفقوا .




















هل لجرح ميت ايلام .. ؟!

هل لجرح ميت ايلام .. ؟!


تقرير : التقي محمد عثمان


في حوارين منفصلين تحدث الرئيس الارتري اسياسي افورقي لوسيلتي اعلام سودانيتين عن مسائل ومشاكل سودانية، وقال انه سيركز على القضايا الجوهرية في السودان، من اجل تجاوز (هذه المحنة) التي يعيشها، داعيا الى ان يكون هناك توجهاً وطنياً واحداً - رغم التباينات - لخلق نظام سياسي يستوعب كل الخيارات.
وفي حديثه لوكالة السودان للانباء قال أن قضايا التهميش والتنمية والدستور وتقاسم السلطة والثروة كان يجب حلها بعيداً عن التدخلات الخارجية، وذهب في حديثه لصحيفة الرأي العام الى ان التناحر الداخلي في جنوب السودان والمناخ الاقليمي والتجاذبات والتدخلات الخارجية ستخلق من جنوب السودان مستنقعاً، وتحدث عن الحركة الشعبية وقال ان غياب قرنق اثر سلباً على ظروف الحركة وقدرتها التنظيمية، وان التجربة كانت لتكون أفضل باستمرارية واضحة بدلاً من ان تكون هناك فجوة وتكون هناك مشكلة، مضيفا (وحتى الضبابية وعدم الوضوح في الرؤية قد تكون ناتجة عن هذا الفراغ).
وبنظر بعض المراقبين فان الرئيس الارتري تدخل في ما لا يحق له التدخل فيه، وانه ليس من حقه الحديث في شأن سوداني على هذا النحو بعد ان لم تعد ارتريا ذات تاثير على مجريات الامور فى السودان بعد عودة التجمع الوطني الديمقراطي الى الداخل وتوقيع إتفاق سلام الشرق بين الحكومة وجبهة الشرق، وبنظر البعض الاخر ان ما يجري من حديث عن السودان يتم على طريقة ما جرى في قول ابي الطيب المتنبي (من يهن يسهل الهوان عليه * ما لجرح ميت ايلام ) باعتبار ان قضايا السودان صارت مضغة يلوكها كل فم، واراضيه صارت مطية لكل راكب، مدللين على حالة الهوان باعلان تشاد قبل يومين على لسان وزير دفاعها ادم يونسمي ان الجيش التشادي انسحب من السودان بعد ما قام “بتطهير كل جيوب” المتمردين،. وقوله انهم مارسوا حقهم في الملاحقة، و ( لقد طهرنا كل جيوب المرتزقة داخل السودان بعمق يراوح بين اربعة كيلومترات واربعين كلم، لا يهمنا عمق الاراضي خارج الحدود).
واذا سلمنا بوهن اصاب السودان فمن أين منبعه ؟، البعض يرجعون الامر الى بنيه الذين مارسوا المعارضة الجزافية كما يصفها الدكتور عبد الله علي ابراهيم ويقول عنها ان أكثر همها كان التخلص من النظام القائم كيفما اتفق (أما تخيل الوطن السعيد المستعاد من الظالمين فهي مهمة لاحقة قد لا تأتي أصلاً)، ويقول مراقب تحدث لـ الصحافة امس ان المعارضة هي من اسهم في تدخل الدول الاخرى في خصيصة الشأن السوداني دون وازع، من لدن مقررات اسمرا مرورا بقصف مصنع الشفاء وانتهاء بالمعارضة الدارفورية الحالية، اضافة الى ان الحكومة لعبت الدور المعلى في هذا الشأن حين دعت معارضيها الى مطالعتها الخلاء.
ولكن مسؤول الاعلام الخارجي الدكتور ربيع عبد العاطي يرفض الامر جملة وتفصيلا ويقول ان الحكومة ليست ضعيفة وقد تكون هذه الدول التي تتجنى على السودان الآن مدفوعة بقامات خارجية لانها ليست في قامة السودان، مشددا على ضرورة مراعاة حسن الجوار لان العلاقات لديها حدود ( ولا ينبغي التدخل في الشؤون الخاصة بالدولة، وان كانت هناك وساطات فلا ضير اما التدخل في الشأن الداخلي بشكل سافر وممارسة نوع من الاستقطاب هو مرفوض تماما وغير مقبول تماما) ويرد الدكتور ربيع عبد العاطي التدخل في الشان السوداني الى فتح المجال لكل من هب ودب ليتحدث في الشأن السوداني وحدث ذلك منذ ان سمحنا بالقوات الافريقية وبالمبعوثين باسم الوساطة وسمحنا حتى للدول الصغيرة والضعيفة بالتدخل ، ماضيا الى القول (في ما يبدو ان التدخلات الكثيفة من الدول الاخرى هي التي اغرت الدول الصغيرة مثل تشاد وغيرها بمصادمة السودان وربما كانت مدفوعة بدول اخرى).
بينما يذهب نائب رئيس المجلس الوطني والقيادي بالحركة الشعبية اتيم قرنق الى القول ان الشعب السوداني لا يحتاج الى وصاية من احد لا من جيرانه ولا من بعيدين منه، قائلا في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس ان ما نحتاج اليه نصيحة صادقة من الجيران تنبع من مصلحة الجيرة نفسها ، مشددا على السودان ليس في حاجة الى وصاية من احد (فهم ليسوا ادرى بشؤوننا منا) ويقول (نحن ادرى بشؤوننا اكثر من الآخرين).
ويعلق عبد العاطي على احاديث افورقي بالقول (ينبغي ان لا نحملها محمل التدخل وفي كثير من المرات يكون الحديث بحسن نية) ليعود ويقول ( وان لم يتوفر حسن النية فهو مرفوض).
ويرفض قرنق حديث الرئيس الارتري عن الوحدة والانفصال ويقول (الحكم في السودان شأن سوداني والتطور في السودان وحدة ام عدم وحدة في يد السودانيين)، مشددا على ان مشاركة دول الجوار في الوساطة لا يعطيهم الحق في ان يرشدوننا الى ماذا نفعل، مضيفا ( وعندما نطلب رأيهم او مساعدتهم سنستمع لهم في هذه الحالة وخلاف هذا لا) نافيا وجود ضبابية في رؤية الحركة (لا توجد ضبابية في رؤية الحركة ومبادئها التي قامت عليها، ولا نحتاج لان نشتري مكبرات نظر من احد حتى نزيل الضبابية من عيوننا).