الخميس، 14 مايو 2009

الخرطوم وانجمينا .. رحنا أم اتينا .. !!

الخرطوم وانجمينا .. رحنا أم اتينا .. !!

تقرير : التقي محمد عثمان


وقّع السودان وتشاد اتفاقا جديدا لتطبيع العلاقات بينهما للمرة السادسة في غضون ثلاث سنوات، بمعدل اتفاق لكل ستة اشهر، لينفتح الباب للتساؤل حول حظوظه من التنفيذ وتحقيق نتائج على ارض الواقع المستعرة بين البلدين لآماد، وحظوظه المضادة من التقاعس وما اذا كان سيندرج في خانة العهود والمواثيق المنقوضة عقب التوقيع عليها مباشرة .
اذ تشير الوقائع القريبة والغريبة الى توقيع خمس اتفاقيات سابقة اولها اتفاق طرابلس الموقع في الثامن من فبراير 2006 ، ثم اتفاق الخرطوم الإطاري والبروتوكولات الملحقة يوم 28 أغسطس ،2006 ثم إعلان كان يوم 15 فبراير2007، ثم اتفاق الرياض في الثالث من مايو 2007، واخيرا اتفاق داكار في 14مارس 2008 ، فضلا عن لقاءات قمة أُظهرت فيها النيات الحسنة وبذلت فيها الوعود باشاعة السلام بين البلدين، ولم يقد كل توقيع الا الى توقيع آخر، مما عده مراقبون من الظواهر النادرة في العلاقات الدولية.
وتأتي اهمية تلافي اوجه التأزم بين الخرطوم وانجمينا من اجماع الجميع على استحالة تحقق استقرار في اقليم دارفور المضطرب دون التوصل الى لجم احصنة الانفلات في العلاقات بين دول الجوار، وتحديدا السودان وتشاد، وهنا يقول جبريل باسولي الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي ان المصالحة بين السودان وتشاد تمثل عاملاً مفيداً وأساسياً في تحقيق سلام إقليم دارفور، مشددا في حديثه قبل التوقيع الاخير بقليل، على اننا نحتاج بالفعل لمثل هذه المحادثات والمشاورات ما دام هدفها السلام والاستقرار في السودان وتشاد وفي مناطق الحدود بينهما، بينما يدعو رئيس جنوب افريقيا السابق ثابو مبيكي الذي يرأس لجنة وساطة تابعة للاتحاد الافريقي من اجل الازمة في دارفور، الى "تطبيع العلاقات بين التشاد والسودان" لاحلال السلام في دارفور، وقال مبيكي في مؤتمر صحافي في مقر الاتحاد الافريقي في اديس ابابا قبل يومين "ينبغي تطبيع العلاقات بين التشاد والسودان، والا سيصعب ايجاد حل لازمة دارفور".
ومع ذلك فمن الواضح ان الاتفاق تتهدده الكثير من المطبات، تتصدرها ما عبر عنه الموقعون على الاتفاق من مخاوف، رغم التفاؤل الذي حاولوا اضفاءه على الاجواء الاحتفالية، اذ اكد الموقع عن الحكومة السودانية وزيرالتعاون الدولي الدكتور التيجاني صالح فضيل، ان التحدي الراهن يتمثل في كيفية تفعيل الاتفاق الذي تم التوصل اليه بعد فشل الاتفاقات السابقة التي وقعها البلدان، وقال وزير العلاقات الخارجية التشادي موسى الفكي إن الطرفين تطرقا خلال الاجتماعات الى مجموعة من القضايا الأساسية، منها اعادة الثقة وتطوير الآليات لتطبيق الاتفاقيات على الأرض، وقال الامين السياسي بالمؤتمر الوطني محمد مندور المهدي للصحافيين اول امس ان الحكومة وافقت على المبادرات السابقة ووقعت على الكثير من الاتفاقات ولكنها باءت جميعا بالفشل الذريع، وبنظر مراقبين فان الاتفاق الجديد لم يخرج كثيرا عن سابقيه عدا عن اضافة قطر الى آلية داكار المكونة من ليبيا والكونغو والسنغال والغابون وإريتريا وهي المجموعة المكلفة بمتابعة وتنفيذ اتفاق داكار بنية حسنة ومراقبة أي انتهاكات محتملة عبر اجتماعات مرة في كل شهر في إحدى عواصم الدول أعضاء المجموعة، ونصت ابرز بنود الاتفاق الجديد على ضرورة تنفيذ التعهدات التي وقعت بين الجانبين في اوقات سابقة، وهو البند الذي يمكن ان نقرأه بالنص في البند الثاني من اتفاق داكار الموقع عليه بين رئيسي البلدين في 14مارس 2008 مؤكدين فيه (احترام التعهدات السابقة)
وعزز التطور الذي حدث امس من احتمالات الانحدار الى الدرك السحيق من الغزو والغزو المضاد على مشارف العواصم، اذ لم يمض يومان على التوقيع على الاتفاق الجديد، حتى تبادل البلدان الاتهامات، وقال بيان صادر عن وزير الاعلام التشادي محمد حسين "بينما لم يجف بعد المداد الذي وقع به اتفاق الدوحة حرك نظام الخرطوم عدة قوافل عسكرية ضد بلادنا". واتهم الخرطوم بـ"العدون المخطط"، وفي المقابل، قال المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية لوكالة فرانس برس ان السودان "ليس له اي صلة" بالهجوم العسكري على تشاد. واوضح العميد الدكتورعثمان الاغبش ان "ما يجري حاليا في تشاد يتعلق بالجيش التشادي والمتمردين التشاديين. وليس للسودان اي علاقة بذلك"، بينما اصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانا يحمل قدرا كبيرا من التفاؤل بامكانية تجاوز ما حدث رامية الاتهام على جهات لم تسمها قائلة ان لها مصلحة في تدهور الاوضاع بين البلدين ، مؤكدة ان تلك الجهات ليس من مصلحتها اعادة اعمار العلاقة بين البلدين لأنها مستفيدة من حالة التدهور التي تحدث.
وزيادة على ذلك، يدعو فشل تطبيق الاتفاقات السابقة الى التشكك في احتمال نجاح الاتفاق الاخير رغم الآمال المعلقة عليه، ويرجع الباحث المصري هاني رسلان فشل الاتفاقيات والمساعي لاحتواء التوتر بين الخرطوم وأنجمينا إلى كون هذه الاتفاقيات اتجهت إلى معالجة نتائج أو مظاهر التوتر في العلاقة بين الخرطوم وأنجمينا، في حين أنها لم تقترب من المصدر الأساسي لأزمة دارفور، ويشير رسلان في مقال صحفي الى ان السبب يعود لعجز الرئيس التشادي عن السيطرة على الاوضاع في بلاده ، ويقول (كان من الواضح لأي مراقب أن إدريس ديبي عاجز عن الالتزام بأي اتفاق مع السودان، لأن الدعم لمتمردي دارفور يتم رغماً عن إرادته، حيث أصبح غير قادر في السيطرة على أبناء قبيلته الذين حاولوا تدبير انقلاب ضده العام 2005 للإطاحة به لأنه لم يكن موافقًا على تقديم الدعم للحركات المسلحة في دارفور).
بينما يرجع الخبير الاستراتيجي الدكتور حسن حاج علي الفشل الي تعقيد آخر، ويقول في ورقة له قدمها بالمؤتمر الاول لجمعية العلوم السياسية في نوفمبر الماضي ان التحدي، بالنسبة للسودان في ما يتعلق بامن حدوده الغربية، يتجلى في وجود شبكات عديدة ذات اهداف مختلفة ( تتكون هذه الشبكات من فاعلين ناشطين يشملون حكومات ومنظمات ومرتزقة وامراء حرب ومليشيات وشركات ومغامرين ) ويوضح حاج علي ان كل شبكة من هذه تسعى الى تحقيق اهداف سياسية واقتصادية وجيوسياسية واجتماعية متباينة حينا ومتقاطعة احيانا اخرى ، مؤكدا ان مساعي فض النزاع تتطلب مدخلا شاملا يتعرض لواقع هذه الشبكات.

مفاوضات الدوحة .. ما زال الطريق وعرا ..!!

مفاوضات الدوحة .. ما زال الطريق وعرا ..!!


تقرير : التقي محمد عثمان


تعهدت الحكومة وحركة العدل والمساواة في الوثيقة التي تم التوقيع عليها في 17 فبراير الماضي بالاستمرار في محادثات السلام وابقاء ممثليهما في الدوحة من اجل اعداد اتفاق اطاري للمحادثات النهائي، واقر الطرفان في ما عرف باتفاق حسن النوايا وبناء الثقة باعطاء العملية السلمية الاولوية الاستراتيجية على ما سواها لتسوية الصراع في دارفور. وانهما سيعملان لأجل ابرام اتفاق اطاري في وقت مبكر يفضي الى اتفاق لوقف العدائيات ويضع الاسس للتفاوض حول القضايا التفصيلية اضافة الى تعهدهما باتباع الاتفاق الاطاري بمحادثات جادة تؤدي الى انهاء الصراع في اقصر وقت ممكن لا يتجاوز ثلاثة اشهر
الا ان عاديات الايام تأتي بما لا يشتهي السفن، اذ وما ان انقضى شهر وثلاثة ايام الا واعلنت حركة العدل والمساواة تعليق المشاركة في مفاوضات الدوحة مع الحكومة السودانية وقال رئيسها خليل إبراهيم في تصريحات صحفية إن الحركة لن تتوجه إلى محادثات الدوحة إلا إذا سمحت الحكومة السودانية لمنظمات الإغاثة المطرودة بالعودة إلى ممارسة نشاطها في البلاد ، واعلنت الحركة في بيان لها تعليق محادثات السلام مع الحكومة وعدم العودة إليها مشترطة تراجع الخرطوم عن قرارها القاضي بطرد المنظمات الإنسانية و السماح لها بالعودة و ممارسة نشاطها الإنساني الإغاثي وان تكفّ الخرطوم عن السودنة العجلى للعمل الإغاثي التي ستؤدي حتماً إلى تعطيل و تدمير العمل الإغاثي و تعريض حياة المواطنين المحتاجين إلى خطر محدق وان تنفّذ الخرطوم ما يليها من البند الخاص بتبادل الأسرى و اطلاق سراح كافة السجناء السياسيين في اتفاق الدوحة لحسن النوايا و بناء الثقة اضافة الى تكوين غرفة عمليات لمتابعة الأوضاع في معسكرات النزوح على مدار الساعة و تنوير المجتمع الدولي و كل الأطراف ذات الصلة بسير الأوضاع فيها.
وردت الحكومة بفتور، ورهنت تعاملها مع اعلان العدل والمساواة الانسحاب من مفاوضات الدوحة، بحصولها على رد من الوسيط القطري، وقللت من الخطوة باعتبار ان الحركة درجت على التلويح بها. وقال عضو الوفد الحكومي المفاوض، وزير الدولة بالثقافة والشباب والرياضة، امين حسن عمر لـ"الصحافة" امس، "هذا الكلام لا يعنينا.. مؤكدا ان الحكومة تتعامل مع الوسيط القطري، "وما يصدر عن الوساطة فقط هو ما يهمنا".
ويجئ هذا التطور في اعقاب اتفاق خمسة فصائل دارفورية الاثنين الماضي في لقاء جمعها بالعاصمة الليبية على ميثاق عمل للمشاركة بمحادثات الدوحة، وقع عليه كل من حركة جيش تحرير السودان (قيادة الوحدة) وجيش تحرير السودان برئاسة خميس عبد الله أبّكر وجبهة القوى الثورية المتحدة والعدل والمساواة (جناح إدريس أزرق ) وجيش تحرير السودان (وحدة جوبا) واتفق رؤساء هذه الحركات بموجب هذا الميثاق على أن الحل السلمي المتفاوض عليه هو أفضل الخيارات، مؤكدين التزامهم بالدخول في مفاوضات ذات طابع وموقف موحد يعبر عن القضايا العادلة لأهل دارفور وبالتعاون في المجالين السياسي والعسكري وصولاً للاندماج الكامل.
ويبدو ان اوراق المشهد كلها تختلط، حيث يرى البعض ان العدل والمساواة تردد كلمة حق وتريد بها باطلا ، ويرى آخرون ان الامر يتداخل فيه اتجاه محاولة توحيد الحركات الدارفورية وصراع المحاور العربية، ويرى البعض الأخير ان محادثات الدوحة اسست على باطل وما سينتج عنها كله باطل، وفي حديثه معي عبر الهاتف امس يقول عبد العزيز سام ان طرد المنظمات قولة حق اريد به باطل لان حركة العدل غير معنية بهذا الامر بالاساس (لان طردها لا يخص العدل والمساواة ويخص دارفور وهي تتفاوض في قضايا اخرى ليس من بينها الشأن الانساني وليست معنية به وحدها حتى تتذرع به لايقاف المفاوضات) ليعود ويقول ان طرد المنظمات خطأ يجب ان لا يقع ، (لانها تشتغل في اشياء مهنية ودورها لا تقوم به الحكومة ولا الحركات المسلحة) بينما يذهب الدكتور آدم محمد أحمد عبد الله نائب عميد كلية العلوم السياسية جامعة الزعيم الأزهري في غير هذا الاتجاه ويقرر ان طرد المنظمات مؤثر (لا اقول انها كلمة حق اريد بها باطل وانما فعلاً طرد المنظمات مؤثر على النازحين وربما يؤثر على المانحين)، متسائلا هل للحكومة امكانيات لاطعام هؤلاء الناس لسنوات طويلة حسبما تشير الحيثيات، ويقول الدكتور ادم في حديثه معي عبر الهاتف امس ان مقاطعة الدوحة تمت من الحركات المسلحة قبل العدل والمساواة فحركة عبد الواحد محمد نور دعت لايقاف المفاوضات لاسباب اخرى وليس بسبب طرد المنظمات واعلان خليل يقع في نفس اتجاه عبد الواحد مشيرا الى ان مفاوضات الدوحة من البداية كانت مع فصيل واحد و( لم يكن أمل كبير فيها) مؤكدا في ذات الوقت ان انسحاب خليل يعني ايقاف الدوحة .
من جهتها تصر الحكومة على ان للمنظمات المطرودة دور مشبوه وجدد الرئيس عمر البشير في حديث خاص لصحيفة 'الأسبوع المصرية امس عدم رغبة الحكومة في بقائها السودان وقال، قدمت هذه المنظمات معلومات كاذبة ومغلوطة حول حرب إبادة وجرائم حرب ترتكبها قوات الحكومة وبعض الميليشيات التي تدعمها كما يقولون (وهذه أكاذيب مفضوحة يكذبها الواقع في دارفور)، مشيرا الى ان هذه المنظمات قدمت إلي السودان لممارسة دور انساني في الاغاثة باتفاق مع حكومة السودان (وعندما تخرج هذه المنظمات عن دورها وتهدد الامن القومي للبلاد، فمن حقنا ان نطردها). ويمضي البشير الى القول (انني اقول إن طردهم يعني رسالة واضحة اتمني علي الغرب والامريكيين ان يستوعبوها، ونحن لن تخيفنا تهديداتهم ولا اعلامهم الكاذب والمزيف، بل اقول لكم هنا اننا مستعدون حتي لطرد السفراء اذا ما تعدوا مهمتهم الدبلوماسية، ذلك ان حساباتنا في السودان ليست إرضاء الآخر علي حساب أمننا وكرامتنا، بل ان العكس هو الصحيح، فكرامة السودان وامن السودان واستقرار السودان هي العناوين التي نستند إليها في قراراتنا، ولن تخيفنا تهديداتهم ولا ادعاءاتهم ولا اكاذيبهم)
والحال على هذا النحو من التضاد، ماذا عن تأثير توحد الحركات الخمس على مسار المفاوضات وما اذا كان سلبيا او ايجابيا، المستشار القانوني لحركة تحرير السودان جناح مناوي عبد العزيزسالم يقول حديثه مع الصحافة امس ان المفاوضات لا يمكن أن تكون مزاجية، مشيرا الى ان قطر منذ البداية دللت العدل والمساواة وأهملت الحركات التي لديها وجود في دارفور مؤكدا ان الحركات التي توحدت في ليبيا تسلك الطريق السليم، منبها الى ان توحد الحركات ازعج العدل الى حد الاحباط وازعجها ايضا انها لم تطلق سراح اسراها، مشددا على ان الوسيط اخطأ والحكومة السودانية اخطأت بتفاوضها مع العدل والمساواة التي لا يوجد فرد منها في السودان (وهي حركة تأتي من خلف الحدود وتخلق وضعا سيئا جدا)، بينما ينظر الدكتور ادم من جهة اخرى ويقول (الحركات الخمس ليس لها دور كبير وليس لها ثقل) مؤكدا ان الثقل الحقيقي محصور في ثلاث حركات فخليل لديه الثقل العسكري وعبد الواحد بالثقل الشعبي والاخير لدى مناوي مشددا على ان الحركات الخمس اذا ذهبت الى الدوحة لن تكون ذات جدوى. من جهته يحدد سام الاتجاه الصحيح وهوان يأتي الجميع الى منبر واحد ، مضيفا (هذا ما يسعى اليه الجميع عدا العدل والمساواة التي تريد ان تأتي لوحدها وتتخذ ذرائع شتى لذلك).

مايو (إتولد) وعاش ثم مات

مايو (إتولد) وعاش ثم مات
- تقرير: التقي محمد عثمان
الاثنين, 26 مايو 2008 16:04
أرسل لصديقك طباعة

يحكى ان اصدقاء الشاعر الراحل علي عمر قاسم كانوا يسخرون من مطلع قصيدته الشهيرة (مايو إتولد.. قالوا النجوم زادت عدد). عبر اخذه في آخر الليل الى منتصف حوش السمر ، مشيرين الى السماء قائلين له (حدد لنا اين الزيادة في هذه النجوم)، وسواء اجابهم الشاعر ام ابدى امتعاضه وانصرف الا انه كان صادقا تجاه الحقيقة التاريخية (مايو إتولد) فما عرف بثورة مايو انطلقت فجر الخامس والعشرين من مايو 1969م بتدبير من تنظيم الضباط الاحرار بقيادة العقيد جعفر محمد نميري لتستمر في الحكم حتى 6 ابريل 1985م.

ومرت مايو باربع مراحل في سنى عمرها الستة عشر، امتدت الاولى بين مايو 69 ويوليو 1971م، حين تسنمها الشيوعيون وغنوا لها (يا حارسنا ويا فارسنا.. كنا نفتش ليك زمن وجيتنا الليلة كايسنا)، الى ان اودعتهم السجون والمقابر فكتبوا عنها (مرة شافت في رؤاها حيطة تتمغى وتفلع في قفا الزول البناها. طيرة تأكل في جناها)، وتمضي مايو في مسيرتها الظافرة ، كما يقول قائدها، الى المرحلة الثانية بعد 19 يوليو 1971م، يتقدمها التكنوقراط والمنشقون من الحزب الشيوعي مرددين (تحسبوا لعب) لتنتهي هذه المرحلة بلقاء اللواء جعفر نميري والسيد الصادق المهدي بمدينة بورتسودان في 1977م، وتوقيع اتفاق المصالحة الوطنية ، وتستمر هذه المرحلة حتى اصدار قوانين سبتمبر 1983م، وتسنم الاسلاميون قيادة الامور في حقبة المشير الإمام التي تنتهي في ابريل 1985م، عبر انتفاضة شعبية كان شعارها « (بلاء) وانجلي»..

وعلى كل فإن مايو تقترب الان من سن الاربعين اذ تكمل اليوم 39 عاما من عمرها (ان كانت الاعمار بالمدد)، واصدر المشير جعفر نميري بيانا قال فيه (الاخوة الثوار الاحرار ابناء وبنات ثورة مايو الشرفاء احييكم واحيي عبركم جماهير الشعب السوداني الابي واهنئكم واهنيء الشعب السوداني الوفي باعياد الثورة المجيدة اعادها اليه علينا والسودان يرفل في حلل القوة والعزة والنصر)، وقطعا بان هذا الخطاب القادم من ازمنة قديمة لا يمنعنا من اقرار موت مايو وان تشبثت بالبقاء ، فقط الدكتور اسماعيل الحاج موسى يفرّق في حديثه معي امس بين الميت في مايو والحي منها فبحسبه: (مايو كتنظيم سياسي حاكم - الاتحادي الاشتركي- فهذه انتهت ولكن فكرها وتوجهاتها ونهجها في التعامل مع قضايا الوطن فهذا حي)، مضيفا (مايو تاريخ وانجازات ماثلة في الارض).

وقبل ان تدلي الاستاذة آمال عباس بتوضيحاتها حول (التجربة الايجابية الوحيدة في التجارب السياسية السودانية)، كما وصفتها، تكشف عن الموقع الذي تتحدث منه بقولها (انا لدي ولاء شديد جدا لهذه التجربة رغم خروجي عن التنظيم في عام 1999م، بسبب عودة المشير جعفر نميري في اطار التصالح مع النظام القائم»، لتمضي بعدها الاستاذة آمال عباس في تبيان تفوق مايو المتمثل في الرؤى الواضحة وميثاق العمل الوطني الذي عملت به، مشيرة إلى ان مايو «كانت نقلة في تفكير الانساني عبر التربية السياسية التي وفرتها وأظهرت للناس ما هو الحكم وما هي عضوية اللجنة الشعبية ومجلس الشعب وتحديدها في الميثاق لكيف يحكم السودان وبمن» ، مؤكدة ان لمايو رؤية «تحتاج لها اليوم وإلى يوم القيامة»، منوهة بمدرسة مايو في التربية السياسية والتنظيمية التي قادت المواطن لأن يعرف أكثر من انتمائه البدائي ويجيد الكلام السياسي المنظم.

وهنا يشير الدكتور الحاج موسى إلى اهتمام مايو بالجوانب الثقافية عبر اهتمامها بمهرجانات الثقافة التي دأبت على تنظيمها ، وإلى الجوانب الاعلامية عبر تطوير جهازي الاذاعة والتلفزيون، وجعلهما يبثان لكل ارجاء الوطن. متنقلاً لتعداد مآثرها في مشاريع التنمية من لدن كنانة والرهد مروراً بالمعالم الاساسية في الخرطوم من ناحية العمران وانتهاء بالبترول الذي كان الفضل فيه لمايو «وطورته الانقاذ».

لا ضير في أن تكون لميت مآثر، ولكن هل يقر المايويون بموت مايو، في خطابه الذي قرر فيه «تعليق الاحتفال بأعياد الثورة المجيدة هذا العام للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد» ، يدعو المشير نميري أنصاره إلى «النزول إلى القواعد والالتصاق بالجماهير واعادة بناء التنظيم واحكام نظمه ولوائحه وتوسيع مواعين التمويل والعمل على اثراء الساحة السياسية باللقاءات والندوات والمؤتمرات» ،مما يعني أن المشير يريد أن يمضي قدماً، الأستاذة آمال عباس تتجاوز السؤال وتقول: لمايو كثير من الايجابيات التي يجب استصحابها، منادية بتحديد الايجابيات بلا عصبية.وحين اصر على سؤالي حول «العوامل التي جعلت مايو تموت» تجيبني بعد أن تضع تعديلاً طفيفاً على السؤال «ما هي العوامل التي جعلت مايو تلكأت» ثم تدلف إلى القول «أولاً القطاعات التقليدية لم تفهم مايو في اطارها الفكري الكبير وانما كجهة أخذت منها السلطة، فالاحزاب التقليدية دخلت في صراع مع مايو من هذا المنطلق، ثانياً أسلوب المعارضة المستحدث في حمل السلاح والارتماء في احضان الأجنبي ولجوئها إلى التضييق على الشعب بشراء السلع ورميها في البحر، ثالثاً ان مايو لم تلتزم بميثاقها وعلى رأس ذلك انها لم تلتزم بقيادة القطاع العام والاقتصاد، رابعاً انها لم تستطع تحويل ميثاق العمل الوطني إلى قناعات فكرية لعضويتها، خامساً الطامة الكبرى المصالحة الوطنية في 7791م لأنها لم تتم على اساس واضح واستفادت منها جبهة الميثاق ونخرت في النظام، سادساً الجريمة الكبرى وخطيئة النظام الكبرى إعدام محمود محمد طه» ، ومع ذلك لا تنسى آمال أن تجدد دعوتها بالجلوس على الارض ودراسة تجربة مايو والاستفادة من ايجابياتها الكثيرة.

المصدر: الوطن
التعليقات
أضف جديد بحث

أضف تعليقك
الاسم:

البريد الالكتروني:


العنوان:




Powered by !JoomlaComment 3.26
3.26 Copyright (C) 2008 Compojoom.com / Copyright (C) 2007 Alain Georgette / Copyright (C) 2006 Frantisek Hliva. All rights reserved."
الأمة القومي وحلم التراضي الوطني - د الطيب زين العابدين< السابق التالي >في لقاء البشير الصادق المهدي - د. يوسف الكودة

أنت تتصفح الآن في قسم
موقع السودان الإسلامي / ماوراء الأخبار /
موضوعات من القسم

* مؤتمر ديربان.. نظرة سودانية ‏
* الفشل المقدس في علاقات مصر والسودان ‏
* فليكن الخلاف ولتبق حرية التعبير مبدءاً يحترمه الجميع ‏
* المؤسسة الدينية بالسعودية.. مرحلة جديدة من التجاذبات
* العبرة من بئر الثورة: نظرة في العمران الحضري ‏

عودة للصفحة الرئيسية

الخرطوم وواشنطن .. المبعوث وحده لا يكفي

الخرطوم وواشنطن .. المبعوث وحده لا يكفي

تقرير : التقي محمد عثمان

يبدو ان رياح العلاقات السودانية الامريكية تسير كما تشتهي الحكومة السودانية ، اذ يتكائر الزوار الامريكان - وعلى اعلى المستويات - على بيتها بوتيرة متسارعة لا يكاد يفصل بين الاول والثاني اكثر من اسبوع ، فبعد زيارة استمرت لمدة ثمانية ايام قام بها المبعوث الرئاسي اسكوت غرايشن يبدأ السيناتور جون كيري رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي زيارة الى السودان تستمر لثلاثة ايام، ويتردد ان الرئيس الامريكي ربما يحل بالسودان قريبا، ولطالما اعلنت الحكومة عن رغبتها في علاقات متميزة مع امريكا وبذلت ما تستطيع من اجل هذه الغاية الى ان جاء هذا التقارب الذي وصفته وكالة رويترز امس بانه (مزيد من العلامات على دفء العلاقات بين البلدين).
ويشير مراقبون الى ان العامل الحاسم في هذا التطور هو السياسة الجديدة التي بدأت تنتهجها الولايات المتحدة تجاه الدول المصنفة امريكيا بمناطق الشدة، وكان القائم بالاعمال الامريكي بالخرطوم البرتو فيرنانديز قال قبل اسبوع إن الحوار بين الادارة الاميركية والحكومة السودانية مستمر، وان ادارته تبحث مع الخرطوم عن الطرق المناسبة لدراسة المشاكل والعقبات والتحديات المشتركة لتقوية الحوار من اجل تسوية القضايا العالقة التى تعطل تطبيع العلاقات بين البلدين، وان الفترة المقبلة تحتاج الى "ابداع دبلوماسي" وانه يناقش مع المسؤولين ايجاد بدائل و "خطوات براغماتية فعالة".
وفي السياق كان الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية اعلن ان السودان لا يرغب فى مواجهة او مناكفة مع الولايات المتحدة الامريكية ويرحب باى خطوة تخطوها الادارة الجديدة لاصلاح هذه العلاقات، وقال ( نحن جزء من المجتمع الدولى ونحرص على التفاعل والتعامل معه لمصلحة الوطن والمنطقة والاستقرار فى العالم وامريكا دولة كبري لها تاثيراتها على القضايا الاقليمية والقطرية والدولية ومن هنا سنكون مرحبين باى خطوة تخطوها الولايات المتحدة الامريكية لاصلاح العلاقة الفاترة والمتوترة بين الخرطوم وواشنطن ). وقال السفير نصر الدين والي مدير إدارة الشؤون الأمريكية في الخارجية السودانية لوكالة السودان للانباء ان السودان يتطلع لمزيد من الحوارات الجادة من قبل الادارة الامريكية لدعم وترقية العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن.
ويقول مدير ادارة المراسم بالخارجية السفيرعلى يوسف في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس ان الجديد هو تغير في توجهات السياسة الامريكية في العديد من القضايا العالقة حول العالم تنفيذا لوعود الرئيس اوباما في حملته الانتخابية ، مؤكدا ان الادارة الامريكية - بعكس الادارات السابقة - تتحرك بشكل ايجابي الآن وتفاعلي من اجل معالجة الملفات الساخنة بالسودان ويضيف انه غير مستغرب من موقف الادارة الجديدة تجاه العالم الاسلامي والشرق الاوسط وكوبا مؤكدا انها اشارات تدعو للتفاؤل.
ولكن مراقبين يقولون ان الولايات المتحدة بعد حروبها الممتدة على نطاق واسع والتي تسببت لها في خسائر فادحة، فضلا عن الازمة المالية الممسكة بخناق العالم اصبحت تتجه جديا للسير على نحو مختلف في سياساتها، وتشير الاكاديمية سهير احمد صلاح الى ان التغير في سياسة الولايات المتحدة يعود الى تفكيرها المركز في مصالحها وتقول في ورقة حول السياسة الخارجية الامريكية تجاه السودان في الفترة من 1999-2008م قدمتها في المؤتمر الاول لجمعية العلوم السياسية في نوفمبر الماضي، الى ان وتيرة الاهتمام بالسودان من قبل الادارات الامريكية المتعاقبة بدأت في الربع الاخير من القرن العشرين بفعل المتغيرات الدولية الكبيرة التي دفعت الولايات المتحدة الامريكية لرسم سياسات جديدة بسبب نقص الطاقة في العالم ونضوب مخزونها اضافة الي بعد المسافة للحصول على بترول الخليج وزيادة المخاطر في حالة امكانية حدوث حرب في المنطقة لذا اعتبرت افريقيا هي البديل الاقرب وان السودان يحظي بقدر وفير منه.
وفي قراءته للموقف الامريكي من السودان يذهب استاذ العلوم السياسية البروفيسور صلاح الدومة الى ان السياسة الامريكية الجديدة تأتي من باب تقديم الجزرة على العصا (فهم لديهم مصالح دائمة وليس عداوات او صداقات دائمة)، موضحا ان اسكوت غرايشن مبعوث من البيت الابيض بينما جون كيري من البرلمان ( وهما سلطتان مختلفتان فالسلطة التشريعية رقيبة على التنفيذية وفي امريكا توجد مؤسسية عالية، وليس كل ما تقوله السلطة التنفيذية مقبول)، ويقول الدومة في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس، ان زيارة كيري تقرأ في سياق ان السلطة التشريعية تريد ان تقف على الاوضاع في الارض ايضا ، وحين يقدم المبعوث التنفيذي تقريره ( اما قبلوا مقترحات البيت الابيض او رفضوها على بينة من الامر)، وبحسب رويتر فان كيري ابلغ الصحفيين بعد هبوط طائرته بالخرطوم امس القول (فرصتي الان كممثل للكونجرس الامريكي ولمجلس الشيوخ الامريكي ان اكون هناك للتباحث بشأن القضايا الانسانية وبالطبع القضايا التي تخص الصراع)
ويمضي الدومة الى دافع أخر قد يكون وراء التحرك الامريكي تجاه السودان ان يكونوا شعروا برفض الخرطوم للمحكمة الجنائية وبوجود مواقف قوية مساندة للخرطوم من القوى الاقليمية في الموقف من الجنائية، اضافة الى ان الحكومة قامت بطرد المنظمات بحجج ولم تتراجع، (يريدون ان يعرفوا على ماذا تستند الخرطوم في هذا الرفض والطرد)، اما السفير يوسف فيقول ان الحوار الآن بين السودان وامريكا ايجابي جدا عكس الحوارات السابقة ( هذا فيه اخذ ورد ومربوط بسقف زمني لتنفيذ ما يلينا وما يلي الجانب الامريكي الذي يسعى لحل مشكلة دارفور بشكل سلمي ومعالجة الوضع الانساني واستكمال بقية متطلبات اتفاق السلام الشامل والتحضير للانتخابات والتحول الديمقراطي )






.


سلطان عموم دار المساليت لـ الصحافة

سلطان عموم دار المساليت لـ الصحافة
# ما حدث للمساليت تصفية حسابات وليس ابادة جماعية
# السلام اولى من الانتخابات

لم نقترب في هذا الحوار من دائرة اشغال رئيس المجلس التشريعي لولاية غرب دارفور السلطان سعد عبد الرحمن بحر الدين، مفضلين افراده للصفة الاولى التي يحملها (سلطان عموم دار مساليت) لنتوقف في محطات مع قبيلة لها تاريخها وارثها وصولاتها وجولاتها، فضلا عن انها ظلت في دائرة الضوء منذ اشتعال النار في دارفور، وما ينبئك مثل حفيد السطان بحر الدين عن المساليت وسلطنتهم وعن الادارة الاهلية وعن السلام والانتخابات والابادة الجماعية وعن علاقة المساليت مع القبائل الاخرى ومع الاحزاب السياسية، فالرجل الذي يتسنم قياد قبيلة المساليت بالاستحقاق الانتخابي الموروث يتسلح بالمعرفة اللازمة لتقديم الاضاءة اللازمة، هنا :



حوار : التقي محمد عثمان
تصوير : عصام عمر

@ لنتعرف اولا على مراكز ثقل القبيلة وامتداداتها؟
- قبيلة المساليت مركز ثقلها الاساسي الجنينة، ولديها امتدادات داخل وخارج السودان، في الداخل توجد في جنوب دارفور وجنوب كردفان، النيل الابيض، وفي الخرطوم ومركز الثقل الثاني في القضارف وبورتسودان، وهي ممتدة من أقصى غرب السودان الى شرقه، ولديها في القضارف دائرتان انتخابيتان مغلقتان، وفي جنوب دارفور دائرتان. وفي خارج السودان يوجدون في شرق تشاد على امتداد حدود سلطنة دار مساليت في البلدين، وفي آخر احصاء قبل 3- 4 سنوات كان عدد افرادها مليونان ونصف المليون..
@ هل هو عدد المساليت في البلدين؟
- الاحصاء يشمل السودان فقط.
@ وكيف هي العلاقة بين المساليت هنا وهناك؟
- العلاقة علاقة تداخل، واهلنا في تشاد يحتكمون لدينا في كثير من القضايا، ونحن على اتصال بهم، وتجد المسلاتي السوداني متزوجا هناك، والمسافة بين القرية والقرية تتراوح بين 5-6 كيلومترات.
@ ما قصة انقسام القبيلة الى شقين؟
- القبيلة لها تاريخها، وكثير من المؤرخين اغفلوه وكثير من كتاب المنطقة اهملوا هذا التاريخ، ونضالها ضد الاستعمار كبير جداً، والسلطنة دخلت مع الفرنسيين في ثلاث معارك وانتصروا عليهم في دروتي وكرنق وكجكجي، وبعدها عقدت اتفاقية 1919 «اتفاقية غلاني» التي بموجبها انضم الجزء الشرقي للسودان والغربي لتشاد، بعد ان تصدى المساليت لضم جزء من السودان لتشاد، حيث فضل السلطان بحر الدين الانضمام للسودان، وترك الجزء الغربي الآخر من السلطة كدية لقتلى الفرنسيين.
@ كيف تسير الحياة بين المساليت ومساكنيهم في دارهم؟
- تشارك هذه القبيلة عددا من القبائل في شكل الحكم، وكانت هناك مشاركة في ادارة السلطنة من كل القبائل، صحيح قد تكون هناك حروبا بين القبائل، ولكن الجانب الاجتماعي لم يتأثر لانه لا توجد مشاكل فعلية. والسلطنة بها اكثر من عشرين قبيلة على خلاف السلطنات الاخرى، ففي سلطنة دار مساليت يندر ان تجد مشكلات بين قبيلة وأخرى، وهذا يرجع لحكمة السلطان ولعدله بين الناس كافة، والتصدي وحسم الاشكالات أولاً بأول.
@ الحديث يدور الآن عن تأخر الادارة الاهلية وضعفها؟
- صحيح حدث تطور في الحكم، وهذا التطور لم يستصحب الادارة الاهلية إلا لمن اجتهد بنفسه، وهذا اولا بسبب ضعف الإدارة، والسبب الثاني أيلولة كثير من سلطات وصلاحيات الادارة الاهلية لأجهزة ومؤسسات جديدة، وبالتالي تقلص دور رجل الادارة الاهلية، وتبع هذا حل الإدارة الاهلية في عهد نميري 1971 الذي اثر على شكلها وسلطتها وهيبتها، إضافة الى ان بعض ابناء القبائل الذين اجتهدوا كثيرا وروجوا بأن الادارة لم تعد هي الجهة التي يناط بها حل المشاكل. ومجمل هذه العوامل اضعفت السلطة او قللت من مهام رجل الادارة الاهلية، ولكن ظل رجل الادارة الاهلية هو الاقدر على التصدي للمشكلات الخاصة بقبيلته والجدير بالتحدث باسمها ومجابهة أية مخاطر تحدق بالمنطقة أو بالسلطة، وهذا لا يعني ان كل الادارة الاهلية بهذا المستوى، فهناك ادارات الاستجابة لديها ضعيفة جداً من مواطنيها، وتنفيذ التوجيهات الصادرة عن الادارة ضعيف، وهذا شئ طبيعي لأن طبيعة الحياة هكذا، لأنه ليس بالامكان أن يكون كل رجال الادارة الاهلية يقومون بدورهم ومهامهم.
@ ما سر تماسك الادارة الاهلية في دار مساليت؟
- السبب المباشر لنجاح القيادة أو قبولها، التفاف ابناء هذه السلطنة حول رئاسة القبيلة وخاصة المثقفين، ووجود تفاكر وتشاور مستمر ما بين قيادة القبيلة وقيادات المجتمع الأخرى والمثقفين، مما ادى الى التفاف كافة مكونات القبيلة والقبائل التي معها للاستجابة لتوجيهات رئاسة القبيلة بشكل مقدر جداً، بالاضافة الى ارث السلطنة وتاريخها ووضعها وخصوصية تكوينها. فضلا عن ان امكانيات السلطنة تختلف عن بقية النظارات، مثلاً قصر السلطان وحاشيته يكون صغيراً جداً، والنظام الاداري يستوعب كافة مكونات المجتمع، والسلطنة لديها وجود في وجدان المساليت، سواء أكانوا موجودين في القضارف أو في النيل الازرق أو في أي مكان، وحتى حين حلت الادارة الاهلية لم تحل سلطنة المساليت، فالمساليت والشكرية الادارتان الوحيدتان في السودان اللتان كانتا مسؤولتين عن المال العام، والمرتبات وخلافه، وسجن السلطان موجود ومحكمته موجودة، ولم يغلق حتى الآن باب محكمة السلطان، وهي تعمل الآن وأنا قاضٍ من الدرجة الأولى تُحال اليَّ محاكمات من القضاء، إضافة الى انني استدعى من اشاء حين تقدم لي مظلمة.
@ من اين اتت هذه الخصوصية؟
- لدينا خصوصية من واقع اننا فرضنا انفسنا بالارث والنصر للسلطة والاعمال التي تقوم بها. وستستمر هذه الخصوصية لأننا نطور من أنفسنا ومن شكل تعاملنا مع الآخرين، ونستجيب للتطور الذي يحدث من حولنا.
@ ماذا عن امكانية عودة الادارة الاهلية الى سابق عهدها؟
- هي اصلاً موجودة، والاستفادة منها تتم عبر اكتساب الادارة الثقة بنفسها، بالتمكين في السلطة، وعبر النظم الادارية التي تتيح لها التحكم في ما يليها من السلطة، وقديماً كانت لدى الادارة الأهلية سلطة الاعتقال والاستجواب والتوقيف بنص القانون، وهذه اصبحت غير موجودة، وهناك سلطات ادارية لم تعد موجودة، واذا اعيدت هذه المعينات لرجل الادارة الاهلية التي منحت لمؤسسات اخرى سيساهم هذا في الاستتباب الامني واستقرار المواطنين وسيعين الحكومة بشكل جيد جداً.
@ هل تقترح وضع تشريع جديد لتفعيل الادارة الاهلية؟
- هذه المسألة ممكنة جداً، لأن الإدارة الاهلية اصبحت متطورة ومواكبة للأحداث السياسية والثقافية والرياضية، ولم يعد رجل الادارة هو ذلك الرجل التقليدي، وتطور مع التطور الحادث. وبالتالي أية تشريعات تقنن من سلطانه وصلاحياته وتوفق اوضاعه هي مفيدة في المرحلة القادمة.
@ الى أي حد يمكن ان تسهم الادارة الاهلية في حل ازمة دارفور الماثلة الآن؟
- أنا متأكد انها ستسهم بشكل فعَّال في حل ازمة دارفور باستثناء الجانب السياسي الموجود فيها، وكثير من الادارات الاهلية لديها قبول عند المتمردين، يسمعون كلامهم وعلى اتصال بهم، وبالتالي اذا اشركت الادارة الاهلية لتكون الوسيط بين حملة السلاح والدولة سيكون ذلك اجدى، ونحن في السلطنة استطعنا ان نعيد عددا مقدرا جداً من أبناء السلطنة والقبيلة الى ارض الوطن، مثال لذلك حركة القوى الشعبية وحركة القائد عبد الكريم كسنجر، وهم منذ ثلاث سنوات يقيمون في بيتي «حوش السلطان».
@ كيف تنظر الى تحفظ البعض في كون الادارة الاهلية نفسها اصبحت جزءا من الصراع وانها لم تعد محايدة؟
- هؤلاء أفراد في الحركات ولديهم رأى في الادارة الاهلية. وحتى الآن لم نشعر بوجود حركة لديها رأى في الادارة الاهلية، وعندنا في دار مساليبت الوضع مختلف تماماً عنه في بقية دارفور.
@ ايهما يأخذ الاولوية من وجهة نظرك قيام الانتخابات ام تحقيق السلام؟
- كل الناس في دارفور يتطلعون الى الانتخابات القادمة وينشدون السلام، والسلام عندنا مقدم ومن اولويات شعب دارفور، وشعب السودان في دارفور، لأن السلام هو استقرار، واذا لم يحدث استقرار قد لا يشارك عدد كبير من الناس، ولدينا الآن مبادرات مقدمة من الدولة ومن قطر والاتحاد الافريقي. وفي تقديري ان هناك خطوات جيدة. وليس من المنطقي ان يتم توقيع سلام الآن والدخول في الانتخابات بعد فترة قصيرة. فالسلام أولى لأن هناك نزوحا واضطرابا أمنيا ومعسكرات ولاجئين، والسلام يزيل كل هذا وسيحقق استقرار الاوضاع .
@ كما تعلم فقد تحدثت محكمة الجنايات الدولية عن ابادة جماعية تعرض لها المساليت، ما هي حقيقة الأمر عندك؟
- الابادة غير موجودة، وأنا لم أغادر دارفور منذ الحرب ولو لعشرة ايام، صحيح حصل اضطراب وفوضى وتصفية حسابات من بعض القبائل في بداية الاحداث، ونتج منها حرق قرى ونزوح واحتماء بالمناطق التي توجد فيها الدولة. اما امر الابادة الجماعية فهو كلام سياسي قصدت به تصفية حسابات سياسية وتفكيك وحدة السودان، وهذا ليس معناه عدم وجود خسائر ولكن لا توجد ابادة للمساليت.
@ كثر الحديث عن تسييس القبائل ، ماذا عن علاقة سلطنة المساليت بالاحزاب؟
- علاقة السلطنة بالأحزاب السياسية علاقة جيدة جداً ومتوازنة، وهذه العلاقة موروثة من قديم الزمان، وكل القادة السياسيين الذين يزورون الجنينة هم ضيوف لدى السلطان، وينزلون في قصره. وكل قادة الأحزاب استضفناهم، ومتى وصلت الخرطوم تقدم لي دعوات منهم، سواء أكانت من المهدي، الميرغني، انصار السنة، أحمد المهدي أو غيرهم، واستجيب لها واجلس معهم، والعلاقة بين السلطنة والاحزاب جيدة، والقاعدة أن السلطان لا يناوئ أي حزب أو أية افكار، ويترك الحرية لرعاياه للاختيار، وبما لا يتنافى مع المصلحة العامة.
@ قبل فترة اطلقت مبادرة بغرض احداث اختراق على ارض الواقع ماذا جرى فيها، واين هي الآن؟
- اطلقت مبادرة جمع الصف الوطني، واهم عناصرها عودة النازحين واللاجئين واعادة أبناء السلطنة الذين هم بالحركات المسلحة، وتوحيد الكلمة الداخلية للقبائل بالسلطنة، واتينا بهذه المبادرة الى المركز وعرضناها على اللجنة المسؤولة عن متطلبات السلام في غرب دارفور التي يرأسها الحاج عطا المنان، ووجدت استجابة وقتها، ولكنها أصبحت الآن حبيسة الادراج. ونسأل الله أن يفك اسرها لأننا هيأنا عشر قرى كبيرة بالتمام والكمال للعودة وقلصناها الى ثلاث قرى بطلب من اللجنة بالخرطوم، وللأسف الشديد لم يعد لها أحد حتى الآن عدا قرية سرف جداد التي انتشرت فيها القوات المسلحة، وبها عدد قليل من الناس. ونأمل ان يعود كل اهل هذه القرية الكبيرة ذات الموقع الاستراتيجي.
@ اثارت زيارتكم على رأس وفد من القبيلة للدكتور الترابي جدلا وقال البعض انكم قدمتم بيعة واعلنتم فيها انضمامكم للمؤتمر الشعبي ؟
- هذه شائعة أطلقها افراد هدفهم معروف من قبائل تجاورنا، والزيارة كانت عادية جداً، ولم تتم فيها بيعة للترابي. وأنا عندي بيعة لرئيس الجمهورية، ولا توجد حاجة اسمها بيعتان، وأنا ولائي للمؤتمر الوطني.
@ هل يؤثر انتسابك للمؤتمر الوطني على انتماء الآخرين في القبيلة لأحزاب أخرى؟
- انتمائي للمؤتمر الوطني لا يؤثر على انتماء الآخرين، ففي حكومة الوحدة الوطنية الآن لدى أربعة وزراء بانتماءات مختلفة، واقابلهم واتشاور معهم في أمور القبيلة بدون تفضيل لأحد على آخر في ما يخص المنطقة والسلطنة.

القوى الساسية .. من مأمنه يؤتى الحذر

القوى الساسية .. من مأمنه يؤتى الحذر


التقي محمد عثمان

تباينت رؤى القوى السياسية بعد الرابع من مارس في اي السبل هو الامثل للخروج من الازمة الماثلة، فبعد ان كانت غالبية القوى تراهن على التحول نحو الديمقراطية بعد الفترة الانتقالية بخطوات محسوبة تتصدرها خطوة تعديل القوانين ومن ثم الانتحاء بالناخبين للاقتراع لمرشحيها، يلوح الآن ان خيارها الراجح هو التقاء السوانيين بمختلف مكوناتهم في مؤتمر جامع يضع على الطاولة كل اوجه الازمة لتشخيصها على نحو جديد يتيح للسودان الانتقال من عصر النكبات التي لازمته منذ الحكم الوطني الاول في 1953 ربما الى عصر الانفتاح على كل مقومات واقاويم الوطن ليصبح ( كل سونكي مسطرينة )، ويتضح هذا الاتجاه من جملة المقترحات التي تدفع بها القوى السياسية الآن.
وبحسب مراقبين فان سمات التوجه الجديد تلوح في خطابات القوى السياسية المنفعلة بما يجري وفي توضيحاتها الدالة على طريق الامل مما يبشر - رغم سحب الضبا ب الاسود المخيمة على الاجواء - باحتمالات انجلاء الازمة بما يؤكد ان السودان بلد محروس كما جرى على لسان احد مفكريه ، فقد حرصت القوى السياسية في مجمل مقارباتها لمشاريع الحل على استصحاب كل تعقيدات المسألة وعلى النظر الكلي للامور وتحاشي الحلول الجزئية التي تورد موارد الهلاك، مستشهدين بالكثير مما جاء في ماضيات الايام من اقوال ومواقف.
فقد قال السيد الصادق المهدى ان التعامل مع ازمة المحكمة الجنائية، يتطلب توازنا دقيقا بين الحفاظ على استقرار السودان وبين احترام مقتضيات العدالة، وهذا يقتضى رفض تسليم رأس الدولة، وفى الوقت نفسه التعاون مع المحكمة، وقال في مجلس الشعب المصري قبل ايام ان هذه المعادلة يمكن تحقيقها عبر الاخذ بحزمة من اربعة عناصر: التعامل مع الازمة بهدوء، وتقديم معادلة للمساءلة القانونية بما يمكن قبوله فى اطار اتفاقية روما، عبر محاكم هجين سودانية عربية افريقية، بقانون خاص يتيح لها ممارسة عملها، وفى الوقت نفسه القيام بمجهود استثنائى لحل ازمة دارفوريستجيب للمطالب المشروعة لاهل دارفور، والعنصر الرابع – وهنا المربط - هو الاصلاح السياسى القائم على التحول الديمقراطى، وتحقيق التغيير عن طريق الانتخابات وليس عن طريق المواجهة او الشارع ، اذ توجد الان اكثر من خمسين جماعة مسلحة باجنداتها السياسية.وقال السيد الصادق انه اذا وافقت الحكومة على هذا الطرح فمن الممكن تحقيق توافق داخلى حوله، وانه يضمن بعد ذلك تسويقه وموافقة الحركات المسلحة عليه على ان تكون هناك حاضنة عرببة افريقية له.
بينما ذهب الدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي في تصريحات صحفية بعد اطلاق سراحه الى انه «إذا ما حدث اتفاق على الإدارة وعلى ضمان الحريات والالتزام بالمواثيق والعهود ومحاربة الفساد فإنه يمكن خلق اتفاقات مع كل القوى السياسية في البلاد»، ودعا الحزب الشيوعي الى تشكيل آلية قومية طارحا موجهات للخروج من ازمة الجنائية ودعا المكتب السياسي للحزب في بيان قبل ثلاثة ايام الى توحيد الجبهة الداخلية ،مطالبا بمضاعفة الجهود للوصول إلى حل عادل وشامل لقضية دارفور يستجيب لمطالب أهل الاقليم، مشيراً الى ان الحل لن يتأتى إلا عبر آلية قومية يشارك فيها الجميع: حركات دارفور المسلحة، التنظيمات والقيادات الدارفورية الأخرى، ممثلي الادارة الأهلية والمنظمات المدنية الدارفورية، اضافة الى جميع التنظيمات السياسية الأخرى على نطاق الوطن، مجددا دعوته بالاسراع في انجاز كل تفاصيل التحول الديمقراطي دون تلكوء أو تماطل، بجانب تنفيذ كل الاتفاقات الموقع عليها وذلك باشراف آلية قومية تشارك فيها تنظيمات الشعب السوداني كافة من أحزاب ومنظمات وتجمعات،والعمل على استخلاص برنامج وطني شامل من هذه الاتفاقات من اجل ضمان وحدة الوطن واستقراره في اطار الدولة المدنية الديمقراطية، ومن أجل التنمية المتوازنة والسلم الوطيد.
من جانبه كان الحزب الاتحادي الديمقراطي طرح مبادرة الوفاق الوطني الشامل مجددا فيها حرصه على استصحاب كل مكونات الحياة السياسية السودانية في اي معادلة سياسية قادمة، اضافة الى موقفه المبدئي الرافض لتسليم أي سوداني إلى المحكمة الجنائية الدولية، معتبرا أن ذلك يتعارض مع سيادة السودان، وتحدث زعيم الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني عن "توطين العدالة"، الى جانب مطلوبات اخرى حتى تتحقق الاجواء الملائمة للوفاق الوطني الشامل.
وفي اتجاه آخر جدد الحزب الاتحادي الديمقراطي الهيئة العامة الدعوة التي أطلقها في أغسطس الماضي بتشكيل حكومة تكنوقراط باعتبار أن ذلك يمثل مخرجا لحل الأزمة السياسية الناتجة عن قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية وقال مساعد الأمين العام للشؤون السياسية عز العرب حمد النيل بأن البلاد كلها في حاجة إلي تقديم المزيد من الاقتراحات من قبل الأحزاب السياسية حتي تتجنب البلاد خطر المواجهة مع المجتمع الدولي وقال حمد النيل بأن علي حكومة التكنوقراط توفير ضمانات جيدة لتنفيذ اتفاقيات السلام المبرمة وتلك التي في الطريق علي أن تقوم بحث جميع أطراف النزاع في دارفور بتوحيد موقفها التفاوضي مع الحكومة، وأضاف أنه لا بد لهذه الحكومة الجديدة من العمل علي عقد مصالحة وطنية شاملة ويكون ذلك بمثابة رسالة للعالم اجمع بأن السودان لديه من القدرة الداخلية ما هو كفيل بتجاوز العقبات مهما كان حجمها
وقال المكتب الاعلامي لحزب التحالف الوطني السوداني الذي يراس مكتبه التنفيذي عبد العزيز خالد ان المخرج الصحيح للأزمة الحالية يحتاج في المقام الاول أن تتمتع الأطراف الحاكمة حالياً والمؤتمر الوطني على وجه الخصوص بالإرادة والرغبة الحقيقية للحل لإيجاد حل وأن يتحلى الجميع بالحكمة والعقلانية والشجاعة والتخلى عن المناورات والمزايدات والاستعانة بالاخرين عند اشتداد الازمات. واقترح التحالف تشكيل حكومة قومية انتقالية لمعالجة الازمة مع المجتمع الدولي تحفظ نسب الحركة الشعبية والحركات الموقعة على ابوجا واتفاق سلام الشرق والتوصل لحل سلمي سياسي شامل وعادل يلبي مطالب اهل دارفور واكمال عملية تعديل القوانين وموائمتها مع الدستور الانتقالي وتضمين جرائم الابادة الانسانية والحرب والجرائم ضد الإنسانية بالقانون الجنائي، واقامة انتخابات حرة وشفافة لا يستثني منها اي جزء من السودان بمراقبة محلية وإقليمة ودولية.
هذه وغيرها من المقترحات العملية وذات الحساسية العالية تجاه ما يجري تذخر بها الساحة السودانية، مما قد يعني ان التربة اضحت معدة للفلاحة وان اللبن السائغ قد اوشك ان يأتي من بين فرث ودم، الا ان استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا الدكتور حمد عمر حاوي ينبه الى ان خطابات الاستهلاك السياسي لا تجدي فتيلا مؤكدا ان اس الموضوع في ملعب الانقاذ، (وحتى تقف الاحزاب وقفة صادقة وحقيقية هناك ثمن يجب على الانقاذ ان تدفعه وهو ليس بالثمن السهل فهو متعلق بالحريات باشكالها المختلفة وبالقوانين المقيدة للحريات وبالمشاركة في السلطة) ويشير حاوي في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس الى ان من يقولون بامكانية الوصول الى حلول دون التأمين على الاستحقاقات الواجبة هذه يعيشون على الاماني، مشددا على ان المسألة جادة هذه المرة ويمكن لاهل الانقاذ تحويلها الى خير يعم اهل السودان او ان تكون وبالا على الجميع ، مضيفا (ما لم تقبل الانقاذ فلن يتحقق شيء وما تقوله الاحزاب مجرد اقتراحات او اراء)، ويقول، في نهاية الامر وحدها الانقاذ يمكن ان تحول هذه الاقتراحات والآراء الى برامج وبخلاف موافقة الانقاذ تصبح المسألة مجرد حديث لا اساس له في الواقع.


( البتبلبل بيعوم )

الحكومة ترفع السقف الى الاعلى .. ( البتبلبل بيعوم )


بعد ان كانت الحكومة تتحدث عن أن قرار توقيف البشير ستكون له آثار مدمرة وكارثية على الأوضاع في السودان وعلى عملية السلام في الجنوب ودارفور، وتدعو لتحاشي هذه الآثار بتأجيل القرار - عبر الاصدقاء والاشقاء - لمدة عام حتى يتم تحسين الاوضاع على الارض واشاعة السلام في ربوع دارفور، رفعت الآن سقوفاتها الى الحد الاعلى وادرجت في مقدمتها فضح المحكمة الجنائية الدولية والغاء وجودها تماما .
فبعد ان اعلن نائب الرئيس علي عثمان محمد طه في مساء الرابع من مارس يوم صدور قرار التوقيف ان المعركة القادمة مكانها مجلس الامن وان الحكومة ستسعى لمكافحة القرار بكافة الوسائل السياسية و الديبلوماسية، قالت وزارة الخارجية في السادس من مارس إنها شرعت في التحرك للتعامل مع قرار المحكمة الجنائية الدولية عبر 3 محاور بطرق مباشرة وغير مباشرة، وأضح الناطق الرسمي للوازارة أن الأول يمثل تحركا مباشرا، تتولاه وزارة الخارجية مع دول قال إنها منتقاة من الدول الغربية «ذات ثأثير» في تداعيات الأزمة بين السودان والمحكمة الجنائية، و المحور الثاني يتمثل في تحرك غير مباشر لدعم جهود «كل من روسيا والصين ودول أخرى» تسعى إلى الحصول على تأجيل للقرار من داخل مجلس الأمن، والمحور الثالث يصب في اتجاه دعم جهود الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لإعمال المادة 16 من ميثاق روما لتأجيل القرار لمدة عام على الأقل لإتاحة الفرصة لإنهاء الأزمة برمتها عبر السلام الشامل في الإقليم.
اما الآن فإن الوضع صار مختلفا، فقد قال مستشار الرئيس مصطفى عثمان اسماعيل ، فى تصريحات له اول امس، ان الحكومة حددت سقفا اعلى لتحركاتها يستهدف سحب القرار من المحكمة، واعادته الى مجلس الامن الذى احال عليها ملف دارفور ،وفضح المحكمة والغاء وجودها باعتبارها عنصرية ومسيسة تستهدف الافارقة ودول العالم الثالث.
والواضح من ذلك ان الحكومة اصبحت تراهن على هذا الاتجاه، بعد ان اعيتها السبل في ايقاف القرار قبل صدوره واحساسها ان من يقف وراءه لن يرعوي في الاستمرار فيه، يعزز من ذلك ماكان قال به نائب الرئيس علي عثمان في حديثه لمجلة المصور المصرية الاسبوع الماضي حول ما ستشهده المرحلة المقبلة والسيناريوهات التي ستسير عليها الحكومة ، محددا السيناريو الأول في ترتيب التعامل مع مجلس الأمن من خلال الإتصال بكل دول المجلس الدائمة خاصة الصين وروسيا وغير الدائمة العضوية لتعزيز الموقف السوداني حتى يتم إجهاض هذا الأمر أما السينايو الثاني فهو توسيع دائرة التفهم لموقف السودان والمساندة له من خلال حملة مرتبة ومدروسة لمواجهة الضغوط الدولية غير المبررة ، وفي ذات السياق طالب متحدثون في ورشة عمل حول «المحكمة الجنائية ومناهضة مبادئ القانون الدولي» ، اقيمت بمباني وزارة الخارجية قبل ايام، بتبني حملة افريقية وعالمية بالتنسيق بين وزارتي العدل والخارجية لنقل المعركة الداخلية الى معركة دولية، وخلق ارادة سياسية مدفوعة بجبهة قومية متماسكة للخروج من الازمة الراهنة.
وفي توضيحه لسقوفات الحكومة الجديدة ذكر الدكتور مصطفى عثمان ان الحد الادنى الذي تسعى اليه هو عقد قمة افريقية استثنائية يقرر فيها الزعماء سحب عضوية الدول الافريقية التى صادقت على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية،واستصدار قرار من القمة العربية المقبلة فى الدوحة برفض تنفيذ قرار المحكمة بتوقيف البشير.
وقال ، ان الدبلوماسية السودانية ستحقق اختراقات فى اميركا اللاتينية واوروبا ،بعدما وجدت مساندة من روسيا والصين فى مواقفهما تجاه قضايا البلاد.
وأول ما يتبادر الى الذهن السؤال حول امكانية تحقيق هذا الهدف المعلن ، السؤال الذي يجيب عليه الدكتور عبدالرحمن ابوخريس استاذ العلوم الساسية بمركز العلوم الدبلوماسية بالقول ان هذا عمل يتطلب مجهودا كبيرا من الدبلوماسية السودانية وان تكون هناك ترتيبات كبيرة لتحقيق هذا الهدف، ويجيب عليه الخبير القانوني الدكتور خالد حسين بالجزم ان درجة النجاح في هذا المسعى عالية جدا، فبينما يشترط ابوخريس في تقديري ان الحكومة استفادت من مجمل الاوضاع ولم تسعى باعلانها لكسب الاعلامي وتعاملت مع الامر بالجدية اللازمة، ووضعت الامر في مراحل وبتريبات معينة قد يأتي ذلك بالثمار المرجوة، مشددا على ان هذا الاجراء لن يتحقق الا باجماع كثير من الدول الافريقية والعربية على سحب عضويتها من المحكمة ويلمح ابو خريس الي احتمال حصول الحكومة علي ضوء اخضر من دول كبرى، مشترطا ايضا استطاعة المؤتمر الوطني تحقيق توافق مع الحركة الشعبية والاستفادة من علاقاتها مع دول غربية وافريقية اضافة الى اجماع الجبهة الداخلية، يذهب خالد حسين في حديثه مع الـ صحافة عبر الهاتف امس الى ان السودان سينجح في سحب عضوية الدول الاعضاء في المحكمة اذا قرأنا تصريحات القادة الداعمين للسودان ، مؤكدا ان كل دول افريقيا وآسيا (المؤتمر الاسلامي) اضافة الى امريكا الجنوبية وروسيا والصين تقف مع الحكومة، موضحا ان دعمهم للسودان من واقع خوفهم على رؤوسهم، وسيكونون عرضة لتطبيق قانون المحكمة عليهم، وهو موقف لأنفسهم، وسيمضون في هذا الاتجاه الى أبعد مدى، مضيفا (هم يعتقدون ان السودان يستطيع أن يقاوم الضغوط بشخصية الرئيس القوية وسنده الشعبي الكبير).والى ذلك يذهب الدكتور أمين حسن عمر في برنامج مؤتمر اذاعي الجمعة الماضية حيث يقول انكل أفريقيا تشعر بالتهديد أكثر لأن اي دولة مصادقة على هذه الاتفاقية فهي عرضة لاستخدام هذه الآلية ضدها مشيرا الى أن الاتحاد الأفريقي هو أقوى مؤسسة أقوى من الجامعة العربية الجامعة التي هي صلة بين دول لكن الاتحاد الأفريقي اتحاد أقوى، مؤكدا ان الموقف الأفريقي من حيث التنظيم ومن حيث العلاقات أقوى من الموقف العربي والدبلوماسية الأفريقية دائماً أكثر ممانعة ضد المواقف الدولية والدبلوماسية العربية.
الا ان مراقبين يشيرون الى عقبات تواجه مسعى الحكومة ومنها ما يمكن ان تقوده الدول التي تدعم المحكمة علانية كفرنسا وبريطانيا ومن خلفهما الاتحاد الاوربي ، والتي تدعمها من وراء حجاب مثل امريكا ، اضافة الى مواقف بعض القوى الساسية المتفاوتة بين الرفض والقبول ، واهم المواقف التي يشيرون اليها موقف الحركة الشعبية الذي عبر عنه اول امس نائب رئيس الحركة والي النيل الازرق، مالك عقار، بمنتدى وزارة ديوان الحكم الاتحادي، من ان الحركة ما زالت تطالب بعدم الصدام مع المجتمع الدولي، معتبرا ان ذلك هو الطريق الامثل للخروج من الأزمة الحالية، وينبهون في السياق الى ما كانت القاهرة قد طرحته بعقد مؤتمر دولي من أجل حل الأزمة السودانية، يجمع كل الأطراف الدولية والإقليمية والسودانية المعنية مباشرة بالأزمة ، ويناقش كل جوانبها ليصل إلي حل شامل لكل القضايا المتعلقة بالسودان ، مع ضمانات من المجتمع الدولي والحكومة السودانية وحركات المعارضة بالالتزام بما يتم التوصل إليه من اتفاقات ، حيث تري مصر أنه لابد من حل سريع وشامل للأزمة السودانية ، وأن هذا الحل يعتمد علي فتح حوار جدي بين السودان والمجتمع الدولي للاتفاق علي أسس شاملة لحل الأزمة وبدء تنفيذها فورا ، لأن الحلول الجزئية للقضايا السودانية لم تعد مجدية ، وتؤدي أحيانا إلي تعقد الأزمة بدلا من حلها ، وهو حل لن يتم إلا بحوار جاد وصريح بين المجتمع الدولي والسودان ، خاصة أن المجتمع الدولي أصبح طرفا أساسيا في الأزمة السودانية.
ولكن الدكتور خالد حسين يذهب بعيدا، ومعضدا اقواله بالمواد القانونية يقترح ضرورة اضافة مطلب اقالة مدعي عام المحكمة اوكامبو ( للمخالفات القانونية وانصياعه الكامل لتحقيق اهداف تختلف عن هدف تحقيق العدالة) مشيرا الى انه حتى المتعاطفين مع المحكمة يعتقدون ان اوكامبو يجهض فكرة جميلة كانوا يحلمون وينادون بها وتحققت عبر انشاء المحكمة نتيجة انصياعه للدول العظمى التي تختلف أهدافها عن هدف تحقيق العدالة ، ليذهب الى القول ان المعركة مع الجنائية على أمرين الاول، حث الدول التي تقف مع االسودان على الانسحاب من المحكمة الجنائية ، مضيفا (في تقديري أنها ستقوم بهذا الأمر. لأنه يُبين لها أنه إذا تم تطبيق هذا القرار على السودان فسوف يُصبح ذلك سابقة دولية مسلطة على رؤساء كل دول العالم الثالث من غير استثناء)، والثاني، التركيز على إقالة المدعي العام أوكامبو (الذي وأد بتصرفاته غير المسئولة وغير القانونية هذه الفكرة النبيلة التي تحمس لها كل من يطمح في تحقيق العدالة في العالم)

الخرطوم وواشنطن .. الحوار من وراء جدر

الخرطوم وواشنطن .. الحوار من وراء جدر


تقرير : التقي محمد عثمان

بدا غريبا للمتابعين للعلاقات السودانية الامريكية اصدار الولايات المتحدة قرارا بتعيين اسكوت جريشان الجنرال المتقاعد بالقوات الجوية مبعوثا خاصا للرئيس اوباما الى السودان، لأن ذلك يجئ عقب التصعيد الامريكي المتزايد تجاه السودان حد ان الادارة الامريكية وصفت الرئيس البشير بالهارب من العدالة، وتزايد وجه الغرابة في كون الاعلان عن المبعوث الخاص تزامن مع تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون قبل يومين المهددة باتخاذ مواقف اكثر تشددا والتي تقول فيها ان الرئيس عمر البشير سيتحمل المسؤولية عن أي وفاة تقع بسبب طرد 13 منظمة اغاثة اجنبية من السودان.
ويذهب مراقبون الى ان تعيين المبعوث في هذا التوقيت مربك الى حد كبير لجهة ان المواقف بين البلدين صارت على طرفي نقيض، مشيرين الى ان قبول السودان للمبعوثين الامريكيين في السنوات الماضية كانت على امل تحقيق شئ من التطبيع مع الدولة الكبرى في زمن القطبية الواحدة، اما الآن وقد وضعت الامور على شفا الجرف فإن الامر قد لا يفهم سريعا.
وفي موقفها الرسمي رهنت الحكومة السودانية ترحيبها بالمبعوث الامريكي الجديد الذي اعلنت الادارة الامريكية عن تعيينه امس، أن يكون حاملا لرؤى وافكار جديدة في الوصول لحلول مستدامة لا رؤىً لتعقيد الملفات العالقة، وقال وزير الدولة بالخارجية السماني الوسيلة في تصريحات صحافية امس، أن الضغوط لن تؤدي ابدا الى حلول مشيرا الى الفشل الذي لازم الادارة الامريكية السابقة من خلال اتباعها لهذا المنهج، ودعا ادارة اوباما الى فهم طبيعة ازمة دارفور وحقيقة الصراع فيها، وقال إن السودان يتطلع الى علاقات جيدة قائمة على الاحترام بين البلدين. وشدد على أن ترحيب الحكومة بأي مبعوث يرتكز على أن يأتي حاملا افكارا ورؤى ايجابية لتسوية الازمة في السودان لا افكارا تزيد من تعقيد ملف العلاقات السودانية الامريكية او خلافها.
ومما يعزز الشكوك في نجاح مهمة المبعوث الجديد استعار الرفض من قبل الحكومة السودانية لمواقف الحكومة الامريكية وعلى رأسها موقف اوباما الذي حذر من ازمة إنسانية متفاقمة في اعقاب طرد منظمات الاغاثة الاجنبية من البلاد، وتهديد وزيرة الخارجية الامريكية بممارسة حكومتها ضغوطا على الخرطوم في سبيل اعادة المنظمات التي ابعدتها الحكومة في اعقاب صدور قرار المحكمة الجنائية بتوقيف البشير، وفي هذا الصدد قال السماني الوسيلة إن التهديد وممارسة الضغوط لن توصل الى حلول، مشددا على ان (اية منظمة ستمارس اعمالا مماثلة ستجد ذات المصير وان مورست ضغوط بشكل فعلي، ولن يكون بقاء اية منظمة مخالفة على حساب امن واستقرار البلاد او تغيير الحكومة لمواقفها) مما يعني مزيدا من تباعد المواقف والمسافات حتى ان اي حوار قادم بين الطرفين قد يكون من وراء جدر ويحتاج الى وسيط .
ويأتي تعيين المبعوث الامريكي الخامس اسكوت جريشان في ظرف معقد اكثر بكثير مما عاشه ممن سبقه من المبعوثين الذين كان اولهم هاري جونستون في عهد الرئيس بيل كلينتون ثم جون دانفورث المعين بواسطة الرئيس السابق جورج بوش في العام 2001 والذي لعب دورا رياديا في تحقيق اتفاقية السلام الشامل، ليليه اندرو ناتسيوس ومن بعد ريتشارد ليامسون، فعلى عكس الآخرين قد يجد جريشان ان الرتق اتسع على الراتقين، وبينما يرى مراقبون ان تعيين مبعوث في الوقت الحالي امر ايجابي باعتبار حاجة السودان لعلاقات طيبة مع امريكا، والى ما يتوفر من تفويض كامل يمنح للمبعوث الرئاسي، يذهب محللون الى ان نقاط الالتقاء بين البلدين تكاد ان تتلاشى، ويقول أمين بناني رئيس حزب العدالة القومي ان فرص الحكومة لإيجاد حلول مع الغرب استنفذت لحد بعيد، لانها هادنت الغرب طويلاً، وقدمت تنازلات كبيرة مع ذلك لم تجن كثيراً، لأن أطماع الغرب لا حدود لها ورغبة الغرب في الهيمنة تجاوزت قدرة النظام، ويشدد بناني في حوار صحفي معه قبل ايام على ان الحل الوحيد للحكومة أن تقوي استراتيجيات المقاومة من خلال التحالفات مع القوى المضادة للغرب أو التي يمكن أن تنافس الغرب في السودان، مشيرا الى ان فائدة هذه التحالفات تتمثل في ان الغرب اذا حسب أن النظام لديه حلفاء أقوياء ويمكن أن يصمد لفترة طويلة امام التحديات عندئذ يمكن للغرب أن يتفاهم مع السودان على كل الملفات مؤكدا ان السودان في هذه المرحلة لا سبيل له إلا المواجهة مع الغرب.
ولكن البروفيسور حسن مكي يذهب في اتجاه آخر ويشير في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس الى عوامل غير مرئية تتحكم في الموضوع مثل موقف الاتحاد الافريقي والجامعة العربية والموقفين المصري والسعودي اضافة الى الحدث الطارئ ان امريكا ارتكبت جريمة بقصفها لقافلة شلاتين ومات فيها37 من الابرياء مؤكدا ان هذه القضية اذا اثيرت في الرأي العام الامريكي سوف تجر علي الادارة الامريكية ما لا ترجوه، لانها تعاملت معهم كارهابيين وهم ابرياء، والحكومة الامريكية تعلم ذلك ولن تصعد الامر، ويشير مكي الى ان امريكا واسرائيل راغبتان في دفن المحكمة الجنائية (دفنة لائقة)، حتى لا تثار قضايا ضحايا غزة، ويشدد حسن مكي على وجود متغيرات كثيرة تحت السطح (ولكنها مازالت خاضعة المناخ للدولي السائد) .
وبعد ان يشير الى ان امريكا في ورطة بين انها تؤيد الاتهام في ما يتعلق بالمحكمة الجنائية وترفض التعامل معها، وورطتها في انها تقوم باعمال متناقضة، يذهب البروفيسور صلاح الدومة في قراءته لمسألة تعيين مبعوث في الوقت الحالي الى ان الامريكان يعتبرون تعيين مبعوث هو لحكومة جمهورية السودان الباقية والمتغير هو رئيس الجمهورية وعلي الحكومة ان تتخذ قرارا بشأن الرئيس المتهم من قبل المحكمة الجنائية المستمدة قوتها من مجلس الامن المستمد قوته من الامم المتحدة، ليعود الدومة ويقول ان تناقض موقف امريكا لا يؤثر على المبعوث ومهمته في السودان لان امريكا لا تستحي وتعتقد انه يحق لها ان تفعل اي شئ وهذا دليل على الغطرسة وعدم الحياء.
بينما يترك البروف مكي الباب مفتوحا ويقول انه قد يصدق ان تتلاشى القضية مثار الازمة، مشيرا الى ان امريكا تريد ان تعطي نفسها بعض الوقت بتعيينها للمبعوث الجديد (ولو كانت تريد ان تأخذ قرارا خاتما ونهائيا لتركت الموضوع في يد سوزان رايس ممثلتها في مجلس الامن) ويمضي مكي الى ان امريكا تشهد اعادة تقييم لعلاقاتها مع السودان، ناعيا على الخارجية عجلتها في الرد على نبأ تعيين المبعوث الامريكي قائلا (ما كان يجب ان تستعجل في اشتراط الترحيب)
يشار الى ان المبعوث الامريكي اسكوت جريشان ابن ابوين من المبشرين المسيحيين تربي في افريقيا وهو يتحدث اللغة السواحلية بطلاقة وحسب مصدر تحدث لوكالة رويترز قال "ان جريشان له خبرة واسعة بالمنطقة وتربطه علاقات شخصية ومهنية مع زعماء كبار والاهم من ذلك انه تربطه صداقة شخصية بالرئيس الذي يصغي اليه."

من كان محايداً فليرمها بحجر

المفوضية القومية للانتخابات
من كان محايداً فليرمها بحجر


تقرير : التقي محمد عثمان

هنا اذاً بوادر معافرة جديدة ، فقانون الانتخابات القومية لسنة 2008 نص على (تنشأ خلال شهر واحد من تاريخ صدور هذا القانون مفوضية تسمى (المفوضية القومية للانتخابات) تكون لها شخصية اعتبارية وخاتم عام ) وان تتكون المفوضية من تسعة اعضاء (من المشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد) مما يعني انه ما ان يجاز القانون حتى تبدأ المجادلة القاسية حول اعضاء المفوضية وانتماءاتهم الحزبية من عدمها ، ومن يرشح من ، ومن بعد ذلك سيدور اللغط حول نزاهة الانتخابات منذ الآن.
ابتداءً هل يجوز الحديث عن الاستقلالية وعدم الانتماء الحزبي في ظل استقطاب حاد جدا تشهده البلد ، واذا جاز وتم النص عليه في شروط عضوية المفوضية ، اهو مطلب سهل التحقق ، وهل يمكن ان يكون هناك محايدون في وطن هو التنوع على شأفة الاحتراب يتمثل ذلك في احزاب تتأبط الشر لبعضها وحركات تتمنطق بالسلاح ، وكيف السبيل الى التعامل مع النص على الاستقلالية اذا كانت كلمات مثل الشفافية والتحول الديمقراطي رغم ما فيها من حيدة الا انها في الحقيقة عند استخدامها تخدم طرفا ضد طرف ، محمد سيداحمد عتيق القيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي يقول (لا افهم ان يكون هناك انسانا محايدا ) موضحا في حديث مباشر معه امس ان (المحايد هو في اقصى حد من يريد ان يحافظ على الواقع القائم كما هو وايضا في هذه الحالة فهو ليس محايدا لأن الواقع الراهن له مصالحه وقواه المستفيدة منه ) مؤكدا ان الحياد شئ مستحيل مشيراً الى ان الحياة السياسية في تاريخنا الوطني العام في القطاع الفئوي ، الطلاب وغيرهم ، كثيرا ما تم فيها خداع تحت مسمى المحايدين والمستقلين والشخصيات الوطنية وكلها كانت مخالب قط لهذه القوى او تلك.
عضو المفوضية القومية للمراجعة الدستورية فاروق ابو عيسى يقر بصعوبة توافر هذه المواصفات بالدقة المطلوبة في العدد المطلوب مع شرط ان يكون عندهم استعداد للعمل في المفوضية مع كثرة اعبائها ، مؤكداً (ما في زول ما عندو مزاج حزبي) مشدداً على انه (امر صعب جدا الوصول الى هذه الشخصيات) وتتجلى المفارقة هنا في ان مشروع القانون نص على ( يجوز لرئاسة الجمهورية بقرار منها عزل رئيس المفوضية او نائبه او أي من الاعضاء لاي من الاسباب الاتية :
(أ) الانتماء الحزبي او عدم الكفاءة فيما يتعلق باختصاصات المفوضية وسلطاتها واجراءاتها على ان يتم تقدير ذلك عن طريق لجنة يشكلها رئيس المحكمة بناء على طلب من رئيس المفوضية بموافقة ثلثي اعضائها من قضاة لا تقل درجتهم عن قاضي محكمة عليا ويرفع رئيس المفوضية قرار اللجنة المذكورة لرئاسة الجمهورية) مما يجعل التساؤل الذي طرحه عتيق مشروعا حين قال ( هذه مسائل سياسية ، سواء المراجعة الدستورية او الانتخابات ، هذه قضايا صراع سياسي فكيف تأتي بمحايد لينظم صراعا سياسيا بين احزاب ) وبالتالي ينفتح الباب امام التساؤل حول القسم الذي يؤديه اعضاء المفوضية امام رئيس الجمهورية :
(انا............. بوصفي عضوا في المفوضية القومية للانتخابات اقسم بالله العظيم ان اؤدي واجباتي ومسؤولياتي بامانة وتجرد واستقلال تام دون ادنى محاباة او تحيز لاية جهة وان التزم بالدستور والقانون والله على ما اقول شهيد/ وان يوفقني الله) فاذا كان الشخص محايدا كيف ستحاسبه واذا ارتكب اخطاء اليس مطلوبا ان يكون ممثلا لجهة حتى تسأل هذه الجهة ، محمد سيداحمد عتيق يقول ( المفروض ان يكون هناك مزج بين ذوي الخبرة والانتماء السياسي بدلا من البحث عن شئ هلامي اسمه المحايد او المستقل ، فالخبير بشكل اكاديمي مجرد مكانه قاعات البحث والتدريس وليس ساحات الصراع السياسي المتحرك والحي )
الآن يلوح العراك القادم اذ كيف يمكن ارضاء كل الوان الطيف السياسي باناس مسيسين ، ابو عيسى يقول لي عبر الهاتف امس (يمكن الاتفاق على شخصيات عرفت بالاستقامة وقوة الشخصية وعدم الانقياد وراء هذا او ذاك مع توافر ضمير وطني يميز بين الغث والسمين والمفيد والمضر وان لا يتبع الهوى وان لا ينحاز ويلتزم بنصوص القانون) بينما يذهب عتيق الى ( اذا كان هناك خبراء في مجال الانتخابات وقوانينها المنظمة وفي نفس الوقت لهم ادوار سياسية قاموا بها او ما زالوا يلعبونها ومحل اجماع ، هؤلاء الخبراء السياسيين هم المناسبين والمقنعين كقيادة لمعركة الانتخابات ويمكن ان تتراضى عليهم القوى السياسية)
ولكن هل الوصول لاتفاق سهل اذا كانت عملية التحول الديمقراطي وتداول السلطة واختيار الادارة السياسية للبلاد لما تبقى من فترة انتقالية تنتهي باستفتاء حول تقرير المصير للجنوب ما زالت تواجه مصاعب جمة ، ابوعيسى يقول ( مع احترامنا الكامل لنص المادة 58 من الدستور والتي اعطت رئيس الجمهورية بموافقة النائب الاول وثلثي اعضاء المجلس الوطني الا اننا نرى انه من الواجب والضروري لجعل الكل راض عن الانتخابات وقابل لنتائجها ان تتشاور رئاسة الجمهورية مع القوى السياسية في اختيار اعضاء المفوضية خاصة ان المؤتمر الوطني قد قبل شرط التشاور مع القوى السياسية في اتفاق التراضي الوطني مع حزب الامة الشيء الذي يسهل قبول مطلبنا في رأينا، وبما ان مهمة هذه المفوضية مركزية وكبيرة وبما انها هي الجهة التي ستنظم وتقود الانتخابات في كل انحاء السودان في هذه الظروف السياسية المعقدة وبما ان عملية الانتخابات مفصلية في تسهيل الوصول الى اتفاق يمكن اللجؤ الى مقترح كان تقدم به حزب الامة ابان حواره مع المؤتمر الوطني، اقترح ان الكتل السياسية في السودان ثلاث الاولى المؤتمر واحزاب التوالي والثانيةالحركة الشعبية واحزاب الجنوب والثالثة لجنة الاحزاب لقوانين التحول الديمقراطي وكل كتلة تقدم ثلاثة مرشحين يتوخى فيهم المواصفات التي اشترطها القانون على ان تكون واحدة من الثلاثة امرأة حتى نضمن تمثيل المرأة وهو اقتراح لا بأس به)







من كان محايداً فليرمها بحجر

المفوضية القومية للانتخابات
من كان محايداً فليرمها بحجر


تقرير : التقي محمد عثمان

هنا اذاً بوادر معافرة جديدة ، فقانون الانتخابات القومية لسنة 2008 نص على (تنشأ خلال شهر واحد من تاريخ صدور هذا القانون مفوضية تسمى (المفوضية القومية للانتخابات) تكون لها شخصية اعتبارية وخاتم عام ) وان تتكون المفوضية من تسعة اعضاء (من المشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد) مما يعني انه ما ان يجاز القانون حتى تبدأ المجادلة القاسية حول اعضاء المفوضية وانتماءاتهم الحزبية من عدمها ، ومن يرشح من ، ومن بعد ذلك سيدور اللغط حول نزاهة الانتخابات منذ الآن.
ابتداءً هل يجوز الحديث عن الاستقلالية وعدم الانتماء الحزبي في ظل استقطاب حاد جدا تشهده البلد ، واذا جاز وتم النص عليه في شروط عضوية المفوضية ، اهو مطلب سهل التحقق ، وهل يمكن ان يكون هناك محايدون في وطن هو التنوع على شأفة الاحتراب يتمثل ذلك في احزاب تتأبط الشر لبعضها وحركات تتمنطق بالسلاح ، وكيف السبيل الى التعامل مع النص على الاستقلالية اذا كانت كلمات مثل الشفافية والتحول الديمقراطي رغم ما فيها من حيدة الا انها في الحقيقة عند استخدامها تخدم طرفا ضد طرف ، محمد سيداحمد عتيق القيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي يقول (لا افهم ان يكون هناك انسانا محايدا ) موضحا في حديث مباشر معه امس ان (المحايد هو في اقصى حد من يريد ان يحافظ على الواقع القائم كما هو وايضا في هذه الحالة فهو ليس محايدا لأن الواقع الراهن له مصالحه وقواه المستفيدة منه ) مؤكدا ان الحياد شئ مستحيل مشيراً الى ان الحياة السياسية في تاريخنا الوطني العام في القطاع الفئوي ، الطلاب وغيرهم ، كثيرا ما تم فيها خداع تحت مسمى المحايدين والمستقلين والشخصيات الوطنية وكلها كانت مخالب قط لهذه القوى او تلك.
عضو المفوضية القومية للمراجعة الدستورية فاروق ابو عيسى يقر بصعوبة توافر هذه المواصفات بالدقة المطلوبة في العدد المطلوب مع شرط ان يكون عندهم استعداد للعمل في المفوضية مع كثرة اعبائها ، مؤكداً (ما في زول ما عندو مزاج حزبي) مشدداً على انه (امر صعب جدا الوصول الى هذه الشخصيات) وتتجلى المفارقة هنا في ان مشروع القانون نص على ( يجوز لرئاسة الجمهورية بقرار منها عزل رئيس المفوضية او نائبه او أي من الاعضاء لاي من الاسباب الاتية :
(أ) الانتماء الحزبي او عدم الكفاءة فيما يتعلق باختصاصات المفوضية وسلطاتها واجراءاتها على ان يتم تقدير ذلك عن طريق لجنة يشكلها رئيس المحكمة بناء على طلب من رئيس المفوضية بموافقة ثلثي اعضائها من قضاة لا تقل درجتهم عن قاضي محكمة عليا ويرفع رئيس المفوضية قرار اللجنة المذكورة لرئاسة الجمهورية) مما يجعل التساؤل الذي طرحه عتيق مشروعا حين قال ( هذه مسائل سياسية ، سواء المراجعة الدستورية او الانتخابات ، هذه قضايا صراع سياسي فكيف تأتي بمحايد لينظم صراعا سياسيا بين احزاب ) وبالتالي ينفتح الباب امام التساؤل حول القسم الذي يؤديه اعضاء المفوضية امام رئيس الجمهورية :
(انا............. بوصفي عضوا في المفوضية القومية للانتخابات اقسم بالله العظيم ان اؤدي واجباتي ومسؤولياتي بامانة وتجرد واستقلال تام دون ادنى محاباة او تحيز لاية جهة وان التزم بالدستور والقانون والله على ما اقول شهيد/ وان يوفقني الله) فاذا كان الشخص محايدا كيف ستحاسبه واذا ارتكب اخطاء اليس مطلوبا ان يكون ممثلا لجهة حتى تسأل هذه الجهة ، محمد سيداحمد عتيق يقول ( المفروض ان يكون هناك مزج بين ذوي الخبرة والانتماء السياسي بدلا من البحث عن شئ هلامي اسمه المحايد او المستقل ، فالخبير بشكل اكاديمي مجرد مكانه قاعات البحث والتدريس وليس ساحات الصراع السياسي المتحرك والحي )
الآن يلوح العراك القادم اذ كيف يمكن ارضاء كل الوان الطيف السياسي باناس مسيسين ، ابو عيسى يقول لي عبر الهاتف امس (يمكن الاتفاق على شخصيات عرفت بالاستقامة وقوة الشخصية وعدم الانقياد وراء هذا او ذاك مع توافر ضمير وطني يميز بين الغث والسمين والمفيد والمضر وان لا يتبع الهوى وان لا ينحاز ويلتزم بنصوص القانون) بينما يذهب عتيق الى ( اذا كان هناك خبراء في مجال الانتخابات وقوانينها المنظمة وفي نفس الوقت لهم ادوار سياسية قاموا بها او ما زالوا يلعبونها ومحل اجماع ، هؤلاء الخبراء السياسيين هم المناسبين والمقنعين كقيادة لمعركة الانتخابات ويمكن ان تتراضى عليهم القوى السياسية)
ولكن هل الوصول لاتفاق سهل اذا كانت عملية التحول الديمقراطي وتداول السلطة واختيار الادارة السياسية للبلاد لما تبقى من فترة انتقالية تنتهي باستفتاء حول تقرير المصير للجنوب ما زالت تواجه مصاعب جمة ، ابوعيسى يقول ( مع احترامنا الكامل لنص المادة 58 من الدستور والتي اعطت رئيس الجمهورية بموافقة النائب الاول وثلثي اعضاء المجلس الوطني الا اننا نرى انه من الواجب والضروري لجعل الكل راض عن الانتخابات وقابل لنتائجها ان تتشاور رئاسة الجمهورية مع القوى السياسية في اختيار اعضاء المفوضية خاصة ان المؤتمر الوطني قد قبل شرط التشاور مع القوى السياسية في اتفاق التراضي الوطني مع حزب الامة الشيء الذي يسهل قبول مطلبنا في رأينا، وبما ان مهمة هذه المفوضية مركزية وكبيرة وبما انها هي الجهة التي ستنظم وتقود الانتخابات في كل انحاء السودان في هذه الظروف السياسية المعقدة وبما ان عملية الانتخابات مفصلية في تسهيل الوصول الى اتفاق يمكن اللجؤ الى مقترح كان تقدم به حزب الامة ابان حواره مع المؤتمر الوطني، اقترح ان الكتل السياسية في السودان ثلاث الاولى المؤتمر واحزاب التوالي والثانيةالحركة الشعبية واحزاب الجنوب والثالثة لجنة الاحزاب لقوانين التحول الديمقراطي وكل كتلة تقدم ثلاثة مرشحين يتوخى فيهم المواصفات التي اشترطها القانون على ان تكون واحدة من الثلاثة امرأة حتى نضمن تمثيل المرأة وهو اقتراح لا بأس به)







مؤتمرات الاحزاب .. إن بعد العسر يسرا

مؤتمرات الاحزاب .. إن بعد العسر يسرا

تقرير : التقي محمد عثمان

نشطت الاحزاب السودانية في الفترة الاخيرة في عقد مؤتمراتها العامة وتماهت في اجواء تعيد للحياة السياسية بعضا من القها القديم ايام كانت المنابر تشتعل بالحماسة والليالى تضطرم بالخطابة، وكل قوم بما لديهم فرحون يجادلون باللسان لا بالسنان، فما ان فرغ من الحزب الشيوعي من اشغال مؤتمره العام حتى شرع حزب الامة القومي في نصب سرادق المؤتمر الثاني ابان حكم البشير، ليتلوه بعد قليل مؤتمر الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي اعلن قبل ايام عن تكوين لجان مؤتمره العام، وكانت احزاب المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية والبعث العربي والمؤتمر الوطني عقدت مؤتمراتها في اوقات سابقة، ليكون الامروكأن كل الاحزاب الكبيرة قد برزت لنزال العافية، وان القوى السياسية تسعى لتنظيم صفوفها وتفعيل نشاطها دفعا للتحول الديمقراطي واستعداداً لمعركة الانتخابات القادمة.
لا مراء في ان المؤتمرات العامة تعني ان القوى السياسية تسترد عافيتها بعد طول رهق وتستنشق هواء نقيا بعد طول اختناق، الا ان السؤال المشكل هو، هل يندرج هذا النشاط في باب الاستعداد للاستحقاق الانتخابي الذي نصت عليه العهود والمواثيق والدستور وعززته القوانين الجديدة من لدن قانون الانتخابات وقانون الاحزاب وتوابعهما من مفوضيات ومجالس، ام ان الانتخابات ما زالت حقل دونه بيد ومهامه
ابتداء يسجل القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي عثمان عمر الشريف تعريفا مهما ويقول ان المؤتمرات تعتبر من اهم الانشطة التي تراجع فيها الاحزاب برامجها ودساتيرها ولوائحها الداخلية وشؤون عضويتها ويتم فيها التعرف على القضايا الاقليمية والظرفية، ليردف استاذ العلوم السياسية البروفيسور صلاح الدومة توضيحا للغرض من المؤتمرات العامة حيث تهدف من ورائها الاحزاب تحقيق غايتين، الاولى ترتيب البيت من الداخل واختبار قوتها في الجانب التنظيمي والسند الجماهيري، والثاني الاستعداد للانتخابات المتوقعة، ويرى عضو اللجنة المركزية ومسؤول الانتخابات بالحزب الشيوعي صديق يوسف في انعقاد المؤتمرات دليل صحة ويقول ان الاحزاب وهي تستعد للانتخابات من الضروري ان تعقد مؤتمراتها، وتستعد للتسجيل، مشددا على ان الحركة الواسعة في عقد المؤتمرات هي دليل صحة.
ويؤكد البروف صلاح الدومة انها ظاهرة ايجابية جدا لتصحيح الخطأ وفرض الصواب واشاعة الديمقراطية في داخلها وحل الاختلافات والمشاكل بصورة علمية ويشير الدومة في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس الى ان المؤتمرات فيها علاج لاي مشكلة في الحزب بصورة او باخرى وفيها دحض لاي اتهام.
والاتهام الموجه للاحزاب انها تواجه نقدا شديدا لكونها تنادي بالديمقراطية من الخارج وتفتقدها في الداخل، ولكن عثمان عمر الشريف يرفض ان يرسل الكلام عفوا ويرجع السبب في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس الى الحكومات العسكرية التي حدت من نشاط الاحزاب وانعكس هذا على الاحزاب، مضيفا (لكن الآن بعد اكثر من عشرين سنة بدأت الاحزاب تجمع صفوفها وتقيم مؤتمراتها على كل المستويات)، مؤكدا ان القوى السياسية التأريخية لا تحتاج الى شيء كثير للدخول في منافسة حرة ومفتوحة، الا ان الدومة يقول (المؤتمرات وسيلة مهمة من وسائل دحض اتهام الاحزاب بعدم ممارسة الديمقراطية في داخلها).
بعد ان يؤمن على اهمية المؤتمرات يستعيد الشريف تقديراته في ان الاحزاب التقليدية موجودة في كل قرى ومدن واقاليم السودان وبالتالي لديها معلومات عن كل ما يدور في السودان ومعلوماتها من واقع الناس وليس فيها ظل السلطة وهذا يتيح لها ترتيب الاولويات، ليدلف بعدها الى الحديث عن محاذير في طريق الانتخابات من شاكلة قيام مؤسسات شيطانية ليس لديها علاقة باصل الدولة ولكنها متحكمة في الدولة، مما يجعل الدولة غير قابلة لاستقبال الجديد، عاملة سياج بين الدولة والمواطنين وافقدت الدولة حياديتها

وحين اطرح السؤال، هل تسترد الاحزاب عافيتها الآن يجيبني صديق يوسف (الاحزاب تسترد عافيتها ببطء شديد جدا لانها لا تجد الفرصة الكافية بسبب القوانين المقيدة للحريات) ويقول ان .نتائج هذه المؤتمرات لا تصل للناس لانك تحتاج لليالي سياسية كجزء من الاستعداد للاستحقاق الانتخابي، حيث من الصعب ان توصل ما في مؤتمراتها بدون رفع القيود، والليالي السياسية التي يؤخذ لها اذن لا تتماشى مع الديمقراطية مشيرا الى انهم منذ 2005 عقدوا 3 ندوات في اماكن عامة، مشددا على ان المؤتمرات نفسها لا تكتمل دون ان تخاطب جماهير الشعب السوداني بما خرجت به، وهنا يقول عثمان عمر الشريف (الاحزاب الآن تتعامل مع الامر الواقع وهذا التعامل فيه درجة عالية من الحيطة والحذر)، منبها الى عدم مواءمة بعض القوانين مع الدستور، اضافة الى ان هياكل الدولة مبنية على الحزب الواحد والولاء قبل الكفاءة ليعود ويقول ان الاحزاب تعمل الآن بالقول المأثور: اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، فالاحزاب قررت ان تحتل مساحة تخلى عنها النظام الشمولي على ضيقها، ملمحا الى الحكومة قد تقدم على اجراء انتخابات يحكمها فيها تاريخها وثقافتها وحبها للسلطة بعد ان اكتسب اهل النظام خبرة في التعبير عن ارادة غير حقيقية، لتأتي فائدة استخدام المساحة التي اقتنصتها الاحزاب في تحقيق هدف حقيقي هو الاعتراض على اي ممارسات غير حقيقية او محاولة احداث نتائج غير حقيقية، بينما يذهب صديق يوسف بعد ان يشدد على ضرورة اكمال النقص في الحريات في اتجاه متفائل ويقول نتمنى ان تنجح مؤتمرات كل الاحزاب وان تترسخ الديمقراطية وان نتحصل على جو ديمقراطي لتطرح الاحزاب رؤاها.
.


الأربعاء، 13 مايو 2009

قمة الدوحة .. أطويل طريقنا أم يطول

قمة الدوحة .. أطويل طريقنا أم يطول

تقرير : التقي محمد عثمان

انفضت قمة الدوحة كما ترجو الحكومة وتأمل، فقد حددت منذ اليوم الاول الهدف وصوبت نحوه، وذلك حين أعلنت انها ترمي الى حشد الدعم العربي الى فريقها اللاعب ضد المحكمة الجنائية الدولية، وافصح عن الهدف بجلاء علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية حين قال ان الحكومة ستسعى لـ (توسيع دائرة التفهم لموقف السودان والمساندة له من خلال حملة مرتبة ومدروسة لمواجهة الضغوط الدولية غير المبررة). وأفاد البيان الختامي للقمة بأن القادة العرب يؤكدون تضامنهم مع السودان ورفضهم للاجراء الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية ضده.
والحكومة هي الرابح الاول من القمة بلا ريب، الا ان معرفة حجم الربح تقتضي ان نطلع على قدرة الموقف العربي في التأثير على المشهد العالمي ، وان نرى مقدار ما تحقق في قدرته على انجاز الهدف النهائي المعلن (فضح المحكمة الجنائية الدولية والغاء وجودها تماما) كما اعلن الاسبوع الماضي مستشار الرئيس مصطفى عثمان.
مدير مركز الدراسات السودانية الدكتور حيدر ابراهيم على يرى ان الدول العربية برأت ذمتها باعلان تأييدها للخرطوم، مشيرا الى انه تأييد لفظي لأن القمم العربية تتوقف عند المساندة والشجب والادانة وتنقصها المواقف العملية وما اعلنته لن يظهر في خطوات عملية ويضيف (هذا ايضا مشكورون عليه لانهم لم يتعودوا ان يقفوا مواقف قوية)، وفي ذات الاتجاه يذهب البروفيسور صلاح الدين الدومة ويقول لي عبر الهاتف امس ان موقف العرب لا يقدم ولا يؤخر (فقط فيه دفع معنوي لحكومة السودان) مؤكدا ان هذه كلها (ذوبعة في فنجان) ، الا ان مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية الدكتور خالد حسين يحصي خمس نتائج عملية للقمة العربية، ويتوقف بين يدي احصاءاته عند النتائج الاخرى التي تحققت بمشاركة الرئيس البشير في القمة العربية قائلا ان وصول البشير الى الدوحة اعطى القمة زخما مضاعفا وهذه انعكست بصورة ايجابية على الجو النفسي للرؤساء والملوك العرب واتجاههم لعقد المصالحات، واعطى مؤشرات لهم ان التهديدات المتتالية يجب ان لا يلقى لها بال وكل تهديدات الدول العظمى يمكن التصدي لها، مؤكدا ان مشاركة الرئيس جعلت القرار الصادر من القمة قرارا تاريخيا برفض المذكرة جملة وتفصيلا، واثر على جو المصالحات، منبها الى ان عدد الحضور من الرؤساء زاد بعد مجيء البشير.
ويمضي بعدها الدكتور خالد الى احصاء النتائج العملية،ويقول في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس ، اولها: حصول السودان على دعم بمبلغ 96 مليون دولار لتعويض الفجوة التي قد تحدث من خروج المنظمات من دارفور، ثانيها: يستطيع الرئيس ان يتحرك في كل الدول العربية بلا استثناء، ثالثها: قد تنسحب اثنتين من الدول العربية الثلاث الموقعة على ميثاق روما (جيبوتي وجزر القمر) ، ورابعها: انعكاس الموقف العربي على الموقف المصري، فحينما تشاهد كل الدول العربية مجمعة حول القضايا العربية والسودان، لن تتنازل مصرعن السقف العالي الذي وضع في القمة لدعم السودان "وهنا يتوقع ان تتم المصالحة بين قطر ومصر" ، خامسها: ان الموقف العربي يدخل الجنائية غرفة الانعاش ويجعلها تحتضر تماما.
ولكن البروفيسور الدومة يضيف الاتحاد الافريقي الى دائرة عدم التأثير مشيرا الى ان الموقف الافريقي ايضا مع السودان ولكنه ايضا لا يقدم ولا يؤخر، مؤكدا ان الامر كله في مجلس الامن الذي هو بيد امريكا وبريطانيا وفرنسا (ولا سبيل للتعامل الا عن طريق الاعتراف بالمحكمة والتعامل معها)
من جهته لا يرى الدكتور حيدر اي احتمال لوجود نتائج عملية ويقول كجامعة دول عربية (لا)، ثم يستدرك (الا ان تكون مواقف فردية للدول العربية حسب قوة علاقتها ومصالحها مع السودان) مستشهدا بالقضية الفلسطينية التي ومنذ 48 لم يقفوا معها موقفا عمليا، ليعود ويقول، وهذا الموقف العربي اراه كثيرا منهم لاني لم اتوقع منهم اكثر من ذلك (فالجامعة العربية خذلت الفلسطينيين طوال اكثر من ستين عاما).
.






الوحدة والانفصال .. أرقٌ على ارقٍ

الوحدة والانفصال .. أرقٌ على ارقٍ


تقرير : التقي محمد عثمان




في الوقت الذي يتفاءل فيه الناس خيرا ويمنون انفسهم الاماني بتنفيذ ما تبقى من اتفاق السلام الشامل وبالتالي انجاز مطلوبات التعافي الوطني وتطبيع الحياة الساسية في السودان، ارتفعت مجددا نبرة الحديث عن الوحدة والانفصال، ورغم ان حق تقرير المصير مكفول للجنوبيين ومنصوص عليه في كل المواثيق التي تداعت لها القوى الساسية السودانية من لدن مقررات اسمرا وحتى اتفاق نيفاشا الا ان الظنون الحسنة ذهبت بالناس كل مذهب في الحفاظ على وطن حدادي مدادي لا تبنيهو الفردانية.
وبحسب ملاحظة رئيس مفوضية التقويم والتقدير لاتفاقية السلام الشامل دريك بلمبلي فان الترابط بين الشمال والجنوب في السودان بديهي، فيما يتعلق بالموارد او الاقامة والمواطنة وحركة الناس على سبيل المثال وسوف تكون هناك حاجة لشراكة قوية ومستقرة لضمان تمديد الفوائد التي اتاحتها اتفاقية السلام الشامل الى ما بعد عام 2011م.
ومع ذلك فان التشبيه الذي ساقه نائب رئيس المجلس الوطني القيادي بالحركة الشعبية اتيم قرنق يبعث على الشك في احتمال ترجيح الوحدة، اذ قال لصحيفة الشرق الاوسط قبل يومين ان حال السلطة المركزية في الخرطوم اشبه بزوج مقترن بأربع، كان على خلاف مع إحداهن، وهي الجنوبية فطلبت الطلاق، إلا أن المحكمة رجتها الانتظار لمدة 6 أشهر لمزيد من التفكير من أجل وحدة الأسرة الكبيرة. إلا أن هذا الزوج عقب هذا الحكم بدأ في إساءة معاملة زوجته الغربية وضربها. ما يؤكد، وفقاً لرؤية قرنق، أنه وعند انتهاء فترة الستة أشهر، فإن الزوجة الجنوبية ستصر على الطلاق، قائلا دون مواراة أن الأوضاع السياسية في السودان لا تدعو للتفاؤل .
واشعل الامر ما تفوه به اندرو ناتسيوس، المبعوث الاميركي السابق خلال ندوة نظمت في جامعة جورج تاون في واشنطن، من أن هدف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي هو فصل الجنوب سلمياً عام 2011 (موعد تنظيم الاستفتاء)، مما اضطر معه شريك الحكم المؤتمر الوطني الى رفضه القاطع لتصريحات المبعوث الامريكي السابق حول ما وصفه بتخطيط بلاده لفصل جنوب السودان سلمياً، ووصف د. محمد مندور المهدى الامين السياسي للمؤتمر الوطني فى تصريحات صحفية اول امس حديث ناتسيوس بأنه غير موضوعي. وقال: لا ينبغي ان يتحدث الناس عن انتظار الانفصال ثم بعد ذلك النظر لحل المشكلة القائمة في دارفور. وأكد مندور أن المؤتمر مع وحدة السودان وسيعمل على ذلك، واشار الى ان كثيراً من الدول الغربية تعمل على أن ينفصل الجنوب، وقال ان هذا التوجه يعبر عن تخطيط الدوائر الصهيونية الموجودة على مستوى الغرب التى تشكل ضغوطاً على الاجهزة المختصة.
ولكن الامين العام للحركة الشعبية باقان اموم الذي تحدث في وقت سابق عن أن أكثر من 90% سيصوتون لصالح الانفصال عند الاستفتاء، يضع تفسيرا آخر للمسألة حيث كان قال ان «كل الظروف الراهنة تجعل الجنوبيين يفكرون في الانفصال لانهم يعاملون حتى الآن كمواطنين من الدرجة الثانية).
من جهته يقول بلمبلي ان اي شخص مطلع على مشاعر الرأى العام في الجنوب يعلم ان التصويت لصالح الانفصال هو احتمال وارد ولكن سيكون من الخطأ الاستنتاج بأن هذا سيبطل الحاجة الى الشراكة من اجل الوحدة، ويقول بلمبلي في المحاضرة التي قدمها قبل يومين بعنوان « اتفاقية السلام الشامل ــ شراكة أساسية» ان حق شعب الجنوب في تقرير المصير على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية غير مشروط، داعيا الى ان نسعى دون كلل لجعل الوحدة جاذبة (ولكن الخيار لهم) مشيرا الى ان كثيرا من البلدان عاشت مع حالات مماثلة (والمملكة المتحدة اليوم ليست المملكة المتحدة لعام 1909 او حتى عام 1999م الجزر البريطانية الآن تشمل دولتين تتمتعان بالسيادة وداخل المملكة المتحدة لدينا ثلاثة ادارات ذات سلطة مخولة) مضيفا (دعونا نعمل من اجل الوحدة ولكن ايضاً ان نحرص على ضمان استمرار الشراكة والاعتماد المتبادل والسلام مهما حدث).
اتيم قرنق ينصح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» حتى لا ينتهي الوضع بالطلاق، أن يسارع الزوج بمصالحة زوجته الغربية من أجل إقناع الجنوبية بأن هذه الأسرة الكبيرة يسودها سلام واستقرار ومحبة، اما باقان اموم فيقول انه وفي حالة الانفصال فان البلدين لا بد ان يرتبطا بعلاقات وطيدة، معتبراً ان الانفصال يعني فقط ان تكون لديك حدود جديدة وتدفع الرسوم الجمركية وتنتقل بواسطة جوازات سفر.

الامن القومي حين يبتعد الوصول



الامن القومي .. حين يبتعد الوصول

تقرير : التقي محمد عثمان



درج بعض الساسة على وصم الاعلام اما بالغباء او بتهديد الامن القومي، او بالوصمتين معا، وتتجلى انصع النماذج في حادثتين، الاولى حينما دافع الدكتور عوض الجاز في اعقاب توليه منصب وزير المالية عن الرقابة القبلية على الصحف وقال إن بالبلاد نحو «40» صحيفة وان أداء بعضها يهدد الأمن القومي، والثانية عندما شن مستشار الرئيس الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل السوداني، هجوما على الإعلام العربي، وقال «مشكلتنا في أجهزة الإعلام.. للأسف الشديد لدينا إعلام غبي.. لا يفرق بين الأمن القومي والسبق الإعلامي». مما حدا بالاعلاميين والصحفيين ان يتصدو في كل مرة لما يطالهم من تجن ٍبما يدفع الحيف عنهم، ليبقى السجال ما بقي الأمن مهددا، فالاختلاف في التعاطي مع مسألة تهديد الامن القومي امر وارد لاختلاف الموقع الذي ينظر منه الناظر او لدرجة حساسيته تجاه الأمر.
الا ان ما نحن بصدده يتعلق بالمفهوم الواسع للأمن القومي الذي يبدأ من الأمن العسكري ولا ينتهي بالأمن الغذائي، وبحسب التعريف، فإن المقصود بالأمن القومي تلك القضايا المتعلقة بحماية الدولة وبقائها وضمانة أمن حدودها المحيطة، وكذلك الفضاء التابع لها جوًّا وبحرًا، ويُدخل بعض علماء الإستراتيجية الدولية قضية الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة حتى تلك التي تقع خارج الحدود، وهذا التعريف تتفق معه دائرة المعارف البريطانية التي قالت إن الأمن القومي هو "حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية" أو كما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر إن مفهوم "الأمن" يعني "أيّ تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء"، وبحسب الخبراء فهذا هو التعريف الكلاسيكي للأمن القومي ويقول محرك البحث قوقل– وكما وجدت في العديد من المواقع الالكترونية - أن هذا المفهوم تطوَّر كثيرًا في مرحلة الحرب الباردة وما بعدها، وساهمت أحداث 11 سبتمبر في المزيد من التطوير لهذا المصطلح ومكوناته، مع تراجع التهديدات العسكرية للأمن القومي إلى مراتب أدنى لصالح تهديدات أخرى بعضها داخلي مثل الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية التي أدت في الكثير من الأحوال إلى تفتت دولٍ بأسرها واختفائها وظهور دول أخرى محلها، كما أن التدخلات الدولية أو الخارجية في الشئون الداخلية للدول لم تعُد تقتصر على التهديد المسلَّح، بل بات تهديد المصالح الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية على قدر درجة قوة وانتشار نفوذ الدولة وبالتالي توسع مصالحها وممكنات تهديداتها.
وفي حديثه معي عبر الهاتف امس يشير العميد امن «م» حسن بيومي الى مفاهيم كثيرة للأمن القومي تمثلها عدة مدارس تحتوي على المفهوم التقليدي الذي يحصر المسألة في الجانب العسكري والمفاهيم الحديثة التي تقول ان قضية الأمن القومي قضيةٌ متنوعةٌ في أبعادها، فهناك المناحي الاجتماعية والاقتصادية ، وكذلك السياسية والعسكرية، مؤكدا انها كلها مفاهيم متغيرة، مشيرا الى ضرورة توفر عناصر ما اسماه بالمثلث الذهبي حتى يتحقق الامن، والاضلع الثلاث هي الحكم الراشد، الامن والاستقرار، التنمية، و( اذا اهتز اي واحد منها يعني هذا ان الامن القومي فيه مشكلة).
وبحسب باحثين فإن ابرز المهددات للأمن القومي في الوقت الحاضر هي النزاعات الاقليمية والجهوية والاعتداء على المال العام والرشوة والفساد والانفلات الأمني وسط المجموعات المسلحة والمستوعبة بالقوات النظامية وفقا للاتفاقيات الموقعة، ويضيف الإمام الصادق المهدي في كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام السابع لحزب الامة الحروب الأهلية في دول الجوار حيث يقول، ما زالت الحروب الأهلية مشتعلة في شمال يوغندا وشرق الكونغو، وفي غرب إثيوبيا، وفي شرق تشاد، (وكلها حروب متداخلة مع السودان ولا يرجى استقرار في المنطقة ما لم تتحرك الإرادة السياسية بفاعلية في القارة وما بين دول الجوار لاحتواء هذه الحروب باتفاقيات سلام عادل)، ويضيف الكاتب والصحفي سيد احمد خليفة التزايد المخيف للوافدين والوافدات من الدول المجاورة، حيث أصبح وجود هؤلاء ملحوظاً بل ومهدداً للهوية والقيم السودانية، ويقول ان اسوأ ما فيه هو أن هذا الوجود أو «الغزو» يتم تحت سمع وبصر السلطات المعنية، فالكل يعلم أن وجود هذه الحشود الضخمة من الأجانب رجالاً وشيباً وشباباً يتم بصورة غير قانونية في الغالب العام، أي عن طريق التهريب والعمل المنظم من خلال عصابات وجماعات موجودة داخل الدول المجاورة وداخل السودان وليس من الصعب التعرف عليها ومحاسبتها وتصفيتها وسد الثغرات التي يتسلل منها هذا الحشد الحاشد من الأجانب إلى بلادنا التي ضاقت في الأصل باللاجئين والنازحين من الحروب الطرفية والمشكلات الاقتصادية في الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب
وبالطبع يجب ان تتم الاشارة الى الاختراق المباشر للاراضي السودانية من قبل مقاتلات اجنبية في شرق السودان قبل اسابيع والتي اعادت الى الاذهان حادثتي القصف الليبي لمبني الاذاعة السودانية وبعض المناطق المجاورة لها منتصف الثمانينيات، والقصف الامريكي لمصنع الشفاء بالخرطوم بحري عام 1998م .
ويركز بيومي في تناوله لمهددات الامن القومي السوداني على الثقوب الامنية التي تنجم عن التهاون في اي من اضلاع المثلث الذهبي ويقول ان الحكم الراشد عن طريق الديمقراطية وحكم الشعب لنفسه بنفسه اذا تحقق هذا تصبح المشاكل السياسية محلولة مشددا على اهمية اعطاء الشعب حقوقه في اللامركزية والتنمية المتوازنة والمشاركة في السلطة، مشيرا الى ان اي نظام حكم مر على السودان لم يستطع ايصال البلد الى حكم راشد او تحقيق عدالة اجتماعية (في هذه الحالة تصبح هناك ثقوب امنية)، منبها الى ان عدم الانصهار القومي وعدم التماسك الاجتماعي يجعل الثقوب الامنية تتسع مثلما حدث في دارفو ( فغياب بوتقات الانصهار «جامعة الخرطوم ـ الخدمة المدنية ـ الجيش، الاحزاب» مؤكدا ان عدم الاهتمام بهذه الاوعية يخلق ثقوبا امنية ، هذا اضافة الى المهددات الخارجية من الدول الاخرى التي تطمع في موارد السودان وامكانياته الهائلة وبالتالي تمنع استقراره (فاذا استقر السودان يصبح اضافة قوية للدول الافريقية والعربية)، مؤكدا ان دولة مثل اسرائيل لن تقبل استقراره لانها ترى انه سيصبح ماردا، فضلا عن المهددات الاخرى الظاهرة في سياسة جر السودان من الاطراف. ليدلف بيومي بعدها الى خارطة طريق في سد الثقوب اولا في الجبهة الداخلية عن طريق بسط الحريات والتصالح مع الذات لتحاشي الصراعات بين اقاويم السودان وان يتصالح الحاكم مع الشعب باعطاء الناس حقوقها، والسعي الى تحقيق العدالة الاجتماعية، ومعالجة مشكلتي البطالة والفقر ومنح الحكم الذاتي لكل الاقاليم بصلاحيات واسعة جدا مع الاشتراك في الحكومة المركزي، وثانيا في الجبهة الخارجية اذ لابد من عدم الدخول مع دول الجوار في مشاكل واحتكاكات وان تبنى العلاقات على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والتعاون مع المجتمع الدولي وفقا لقاعدة التأثير والتأثر في اطار الاحترام والمصالح المتبادلين.
..

الاتحاديون : اقتربت الوحدة ام انشق الامل

الإتحاديون .. اقتربت الوحدة أم إنشق الأمل!!

تقرير : التقي محمد عثمان

قاد مجلس شؤون الاحزاب الحركة الاتحادية السودانية الى مربع جديد تقل فيه الفصائل وتكثر فيه الاحزاب، فبعد ان اشترط المسجل تسجيل الاحزاب لممارسة العملية السياسية تداعى الاتحاديون للالتئام على وحدة جزئية، ليكون لدينا اربعة احزاب بدلا عن ثمانية فصائل، وهو الامر الذي قد تصبح معه الساحة الاتحادية امام جدل جديد، فبينما كانت الفصائل تتنادى من اجل الوحدة تارة ومن اجل توقيع المواثيق الممهدة لها تارة اخرى يبدو اننا دخلنا مرحلة الحديث عن التحالفات او التفاوض حول الاندماج بين الاتحادي الأصل والاتحادي الموحد والاتحادي المسجل والوطني الاتحادي.
ومن المحتمل ان يواجه حزب الحركة الوطنية الأول اسئلة حقيقية تتعلق بمستقبله السياسي مع اقتراب اليوم الفصل - الانتخابات، اذ لا تفصله عنها سوى ثمانية اشهر، وللاتحاديين مع الانتخابات حكاية تطول، فما ان يدخلوها متحدين حتى يكتسحونها وكم يتذكرون حكومة الازهري الاولى، وما ان يلجوها متفرقين حتى يتقهقرون، وهم لا ينسون تعدد مرشحيهم في الانتخابات السابقة الذي قادهم الى الصفوف الخلفية وراء ندهم التقليدي حزب الامة القومي.
لذا يصبح التوقف ضروريا عند ما رشح عقب تسجيل الاحزاب الاتحادية حول ان الحوار بين احزاب يقرب المسافات اكثر منه بين فصائل، لاختبار ما اذا كانت هذه الفرضية صحيحة ام لا، وفي هذا يقول الناطق الرسمي باسم تجمع الاتحاديين الديمقراطيين محمد مالك عثمان وهو يتحدث عبر الهاتف معي امس، ان الحسابات الواقعية تقول ان التسجيل يباعد المسافات ويعقد الامور ويمضي بها الى الاسوأ، مشيرا الى ان الاتحادي الديمقراطي حين خاض انتخابات 86 بحزبين خسر 60% من مقاعده بسبب تعدد المرشحين رغم ان عدد اصوات ناخبيه بلغ مليون ونصف المليون بينما ناخبي حزب الامة كان مليون وربع المليون وحاز الامة على اكثر من مائة دائرة والاتحادي على اثنين وستين دائرة، ليتساءل ( فما بالك اذا كانت الاحزاب الاتحادية اربعة) ويشدد على ان التسجيل على هذا النحو ما هو الا قطع طريق على الوحدة الاتحادية، ولكن القيادي بمجموعة ازرق طيبة وعضو اللجنة المفاوضة لتأسيس الوطني الاتحادي، يوسف الزين - وبعد ان يعبر عن سعادته بما تم من عودة الى الوطني الاتحادي التي قال انها تثير الشجون والامل على بعث حزب الحركة الوطنية الاول -، يقول لي قبل يومين عبر الهاتف، ليس هناك قطع طريق على الوحدة بهذا التسجيل، وتظل الوحدة هما استراتيجيا، ويضيف (نعتقد اننا قربنا الطريق الى الوحدة، فالتفاهم بين احزاب اسهل منه من التفاهم مع فصائل عديدة)، ومطابقا لذلك اعتبر التوم هجو القيادي بتيار الوحدة المنشق عن الاتحادي الاصل أن الخطوة إيجابية ويمكن أن تزيد من فرص وحدة الحزب الاتحادي؛ لأن عدد الفصائل تناقص، ويمكن أن تتجمع الرؤى بشأن الوحدة.
وحين اسأل القيادي بالاتحادي الهيئة العامة سابقا واحد المؤسسين للوطني الاتحادي بشكله الجديد، أزهري علي عن مغزى تسجيلهم بمعزل عن بقية الفصائل التي وقعوا معها ميثاق واحد وعشرين اكتوبروما اذ كان ذلك قضاء على الميثاق، يقول لي بعد يومين من التسجيل عبر الهاتف ان ما حدث ليس نهاية لميثاق 21 اكتوبر، ولكن التطور قاد لان يصبح الشكل القديم غير وارد، لان هناك فصائل اندمجت واخرى سجلت وبالتالي أي حديث عن الوحدة يصبح بناء على الوضع الجديد. مشددا على ان هذه المؤسسات هي التي ستقرر من جديد في شأن الوحدة بشكل جديد، ويؤكد ازهري ان ما سيحدث أن التطورات الاخيرة ستقلل الكلام حول الوحدة أي سيكون جديدا بمعنى وجود مؤسسات جديدة ستقرر في شأنها وفقاً لترتيبات جديدة بناء على الأوضاع التنظيمية الجديدة التي نشأت بعد التسجيل.
ومن جهته يشير الزين الى ان ميثاق 21 اكتوبر ينص على اعادة هيكلة الاحزاب في ظرف شهر وخلق آلية انتقالية تؤدي الى عقد مؤتمر عام في ظرف ثلاثة أشهر ويقول (الآن مضت ستة أشهر ولم نصل للهدف الاول ومازلنا احزابا وفصائل ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه) مشددا على انهم لم يدقوا مسمارا في نعش الميثاق، ويضيف (واقع الحال ان لا احد مدان وانما هي صعوبات حقيقية واجهت الناس) ويقول ازهري انهم أبدا لم يقطعوا الطريق على الوحدة بالتسجيل ، ويضيف (انا اصلا كنت افاوض من أجل الوحدة لخلق مؤسسة حزبية تتجه نحو الجماهير من داخل موقعي الذي كنت فيه في الهيئة العامة)..
اما ود مالك فيوجه النظر الى صعوبات اشد ويقول ان الاتحاديين اذا ما استمروا في الاتجاه الحالي واصروا على خوض الانتخابات بهذه الصورة المنقسمة فلن يحصلوا على شئ ويضيف (وسأبارك للمؤتمر الوطني الفوز منذ الآن) بينما تقول القيادية الشابة بالاتحادي الأصل الدكتورة شذى عثمان عمر الشريف في حديثها لـ الصحافة في الاول من امس انهم عندما تكلموا عن لم شمل الحركة الاتحادية كانوا يتحدثون عن امانيهم في وحدة الحركة الاتحادية بكل مسمياتها لتحقيق الاهداف المرجوة، وتشدد شذى على ضرورة تواصل الجهود في هذا الصدد وتقول (من جهتنا ستظل جهودنا متواصلة للم شمل الحركة الاتحادية لايماننا القاطع بأن لا حياد عن وحدة الحركة الاتحادية وليست لدينا مصالح غير مصلحة الحزب ولا يوجد ما يصيبنا باليأس او يغلق الطريق امامنا في هذا المسعى).