الخميس، 14 مايو 2009

مايو (إتولد) وعاش ثم مات

مايو (إتولد) وعاش ثم مات
- تقرير: التقي محمد عثمان
الاثنين, 26 مايو 2008 16:04
أرسل لصديقك طباعة

يحكى ان اصدقاء الشاعر الراحل علي عمر قاسم كانوا يسخرون من مطلع قصيدته الشهيرة (مايو إتولد.. قالوا النجوم زادت عدد). عبر اخذه في آخر الليل الى منتصف حوش السمر ، مشيرين الى السماء قائلين له (حدد لنا اين الزيادة في هذه النجوم)، وسواء اجابهم الشاعر ام ابدى امتعاضه وانصرف الا انه كان صادقا تجاه الحقيقة التاريخية (مايو إتولد) فما عرف بثورة مايو انطلقت فجر الخامس والعشرين من مايو 1969م بتدبير من تنظيم الضباط الاحرار بقيادة العقيد جعفر محمد نميري لتستمر في الحكم حتى 6 ابريل 1985م.

ومرت مايو باربع مراحل في سنى عمرها الستة عشر، امتدت الاولى بين مايو 69 ويوليو 1971م، حين تسنمها الشيوعيون وغنوا لها (يا حارسنا ويا فارسنا.. كنا نفتش ليك زمن وجيتنا الليلة كايسنا)، الى ان اودعتهم السجون والمقابر فكتبوا عنها (مرة شافت في رؤاها حيطة تتمغى وتفلع في قفا الزول البناها. طيرة تأكل في جناها)، وتمضي مايو في مسيرتها الظافرة ، كما يقول قائدها، الى المرحلة الثانية بعد 19 يوليو 1971م، يتقدمها التكنوقراط والمنشقون من الحزب الشيوعي مرددين (تحسبوا لعب) لتنتهي هذه المرحلة بلقاء اللواء جعفر نميري والسيد الصادق المهدي بمدينة بورتسودان في 1977م، وتوقيع اتفاق المصالحة الوطنية ، وتستمر هذه المرحلة حتى اصدار قوانين سبتمبر 1983م، وتسنم الاسلاميون قيادة الامور في حقبة المشير الإمام التي تنتهي في ابريل 1985م، عبر انتفاضة شعبية كان شعارها « (بلاء) وانجلي»..

وعلى كل فإن مايو تقترب الان من سن الاربعين اذ تكمل اليوم 39 عاما من عمرها (ان كانت الاعمار بالمدد)، واصدر المشير جعفر نميري بيانا قال فيه (الاخوة الثوار الاحرار ابناء وبنات ثورة مايو الشرفاء احييكم واحيي عبركم جماهير الشعب السوداني الابي واهنئكم واهنيء الشعب السوداني الوفي باعياد الثورة المجيدة اعادها اليه علينا والسودان يرفل في حلل القوة والعزة والنصر)، وقطعا بان هذا الخطاب القادم من ازمنة قديمة لا يمنعنا من اقرار موت مايو وان تشبثت بالبقاء ، فقط الدكتور اسماعيل الحاج موسى يفرّق في حديثه معي امس بين الميت في مايو والحي منها فبحسبه: (مايو كتنظيم سياسي حاكم - الاتحادي الاشتركي- فهذه انتهت ولكن فكرها وتوجهاتها ونهجها في التعامل مع قضايا الوطن فهذا حي)، مضيفا (مايو تاريخ وانجازات ماثلة في الارض).

وقبل ان تدلي الاستاذة آمال عباس بتوضيحاتها حول (التجربة الايجابية الوحيدة في التجارب السياسية السودانية)، كما وصفتها، تكشف عن الموقع الذي تتحدث منه بقولها (انا لدي ولاء شديد جدا لهذه التجربة رغم خروجي عن التنظيم في عام 1999م، بسبب عودة المشير جعفر نميري في اطار التصالح مع النظام القائم»، لتمضي بعدها الاستاذة آمال عباس في تبيان تفوق مايو المتمثل في الرؤى الواضحة وميثاق العمل الوطني الذي عملت به، مشيرة إلى ان مايو «كانت نقلة في تفكير الانساني عبر التربية السياسية التي وفرتها وأظهرت للناس ما هو الحكم وما هي عضوية اللجنة الشعبية ومجلس الشعب وتحديدها في الميثاق لكيف يحكم السودان وبمن» ، مؤكدة ان لمايو رؤية «تحتاج لها اليوم وإلى يوم القيامة»، منوهة بمدرسة مايو في التربية السياسية والتنظيمية التي قادت المواطن لأن يعرف أكثر من انتمائه البدائي ويجيد الكلام السياسي المنظم.

وهنا يشير الدكتور الحاج موسى إلى اهتمام مايو بالجوانب الثقافية عبر اهتمامها بمهرجانات الثقافة التي دأبت على تنظيمها ، وإلى الجوانب الاعلامية عبر تطوير جهازي الاذاعة والتلفزيون، وجعلهما يبثان لكل ارجاء الوطن. متنقلاً لتعداد مآثرها في مشاريع التنمية من لدن كنانة والرهد مروراً بالمعالم الاساسية في الخرطوم من ناحية العمران وانتهاء بالبترول الذي كان الفضل فيه لمايو «وطورته الانقاذ».

لا ضير في أن تكون لميت مآثر، ولكن هل يقر المايويون بموت مايو، في خطابه الذي قرر فيه «تعليق الاحتفال بأعياد الثورة المجيدة هذا العام للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد» ، يدعو المشير نميري أنصاره إلى «النزول إلى القواعد والالتصاق بالجماهير واعادة بناء التنظيم واحكام نظمه ولوائحه وتوسيع مواعين التمويل والعمل على اثراء الساحة السياسية باللقاءات والندوات والمؤتمرات» ،مما يعني أن المشير يريد أن يمضي قدماً، الأستاذة آمال عباس تتجاوز السؤال وتقول: لمايو كثير من الايجابيات التي يجب استصحابها، منادية بتحديد الايجابيات بلا عصبية.وحين اصر على سؤالي حول «العوامل التي جعلت مايو تموت» تجيبني بعد أن تضع تعديلاً طفيفاً على السؤال «ما هي العوامل التي جعلت مايو تلكأت» ثم تدلف إلى القول «أولاً القطاعات التقليدية لم تفهم مايو في اطارها الفكري الكبير وانما كجهة أخذت منها السلطة، فالاحزاب التقليدية دخلت في صراع مع مايو من هذا المنطلق، ثانياً أسلوب المعارضة المستحدث في حمل السلاح والارتماء في احضان الأجنبي ولجوئها إلى التضييق على الشعب بشراء السلع ورميها في البحر، ثالثاً ان مايو لم تلتزم بميثاقها وعلى رأس ذلك انها لم تلتزم بقيادة القطاع العام والاقتصاد، رابعاً انها لم تستطع تحويل ميثاق العمل الوطني إلى قناعات فكرية لعضويتها، خامساً الطامة الكبرى المصالحة الوطنية في 7791م لأنها لم تتم على اساس واضح واستفادت منها جبهة الميثاق ونخرت في النظام، سادساً الجريمة الكبرى وخطيئة النظام الكبرى إعدام محمود محمد طه» ، ومع ذلك لا تنسى آمال أن تجدد دعوتها بالجلوس على الارض ودراسة تجربة مايو والاستفادة من ايجابياتها الكثيرة.

المصدر: الوطن
التعليقات
أضف جديد بحث

أضف تعليقك
الاسم:

البريد الالكتروني:


العنوان:




Powered by !JoomlaComment 3.26
3.26 Copyright (C) 2008 Compojoom.com / Copyright (C) 2007 Alain Georgette / Copyright (C) 2006 Frantisek Hliva. All rights reserved."
الأمة القومي وحلم التراضي الوطني - د الطيب زين العابدين< السابق التالي >في لقاء البشير الصادق المهدي - د. يوسف الكودة

أنت تتصفح الآن في قسم
موقع السودان الإسلامي / ماوراء الأخبار /
موضوعات من القسم

* مؤتمر ديربان.. نظرة سودانية ‏
* الفشل المقدس في علاقات مصر والسودان ‏
* فليكن الخلاف ولتبق حرية التعبير مبدءاً يحترمه الجميع ‏
* المؤسسة الدينية بالسعودية.. مرحلة جديدة من التجاذبات
* العبرة من بئر الثورة: نظرة في العمران الحضري ‏

عودة للصفحة الرئيسية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق