الخميس، 14 مايو 2009

الخرطوم وواشنطن .. الحوار من وراء جدر

الخرطوم وواشنطن .. الحوار من وراء جدر


تقرير : التقي محمد عثمان

بدا غريبا للمتابعين للعلاقات السودانية الامريكية اصدار الولايات المتحدة قرارا بتعيين اسكوت جريشان الجنرال المتقاعد بالقوات الجوية مبعوثا خاصا للرئيس اوباما الى السودان، لأن ذلك يجئ عقب التصعيد الامريكي المتزايد تجاه السودان حد ان الادارة الامريكية وصفت الرئيس البشير بالهارب من العدالة، وتزايد وجه الغرابة في كون الاعلان عن المبعوث الخاص تزامن مع تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون قبل يومين المهددة باتخاذ مواقف اكثر تشددا والتي تقول فيها ان الرئيس عمر البشير سيتحمل المسؤولية عن أي وفاة تقع بسبب طرد 13 منظمة اغاثة اجنبية من السودان.
ويذهب مراقبون الى ان تعيين المبعوث في هذا التوقيت مربك الى حد كبير لجهة ان المواقف بين البلدين صارت على طرفي نقيض، مشيرين الى ان قبول السودان للمبعوثين الامريكيين في السنوات الماضية كانت على امل تحقيق شئ من التطبيع مع الدولة الكبرى في زمن القطبية الواحدة، اما الآن وقد وضعت الامور على شفا الجرف فإن الامر قد لا يفهم سريعا.
وفي موقفها الرسمي رهنت الحكومة السودانية ترحيبها بالمبعوث الامريكي الجديد الذي اعلنت الادارة الامريكية عن تعيينه امس، أن يكون حاملا لرؤى وافكار جديدة في الوصول لحلول مستدامة لا رؤىً لتعقيد الملفات العالقة، وقال وزير الدولة بالخارجية السماني الوسيلة في تصريحات صحافية امس، أن الضغوط لن تؤدي ابدا الى حلول مشيرا الى الفشل الذي لازم الادارة الامريكية السابقة من خلال اتباعها لهذا المنهج، ودعا ادارة اوباما الى فهم طبيعة ازمة دارفور وحقيقة الصراع فيها، وقال إن السودان يتطلع الى علاقات جيدة قائمة على الاحترام بين البلدين. وشدد على أن ترحيب الحكومة بأي مبعوث يرتكز على أن يأتي حاملا افكارا ورؤى ايجابية لتسوية الازمة في السودان لا افكارا تزيد من تعقيد ملف العلاقات السودانية الامريكية او خلافها.
ومما يعزز الشكوك في نجاح مهمة المبعوث الجديد استعار الرفض من قبل الحكومة السودانية لمواقف الحكومة الامريكية وعلى رأسها موقف اوباما الذي حذر من ازمة إنسانية متفاقمة في اعقاب طرد منظمات الاغاثة الاجنبية من البلاد، وتهديد وزيرة الخارجية الامريكية بممارسة حكومتها ضغوطا على الخرطوم في سبيل اعادة المنظمات التي ابعدتها الحكومة في اعقاب صدور قرار المحكمة الجنائية بتوقيف البشير، وفي هذا الصدد قال السماني الوسيلة إن التهديد وممارسة الضغوط لن توصل الى حلول، مشددا على ان (اية منظمة ستمارس اعمالا مماثلة ستجد ذات المصير وان مورست ضغوط بشكل فعلي، ولن يكون بقاء اية منظمة مخالفة على حساب امن واستقرار البلاد او تغيير الحكومة لمواقفها) مما يعني مزيدا من تباعد المواقف والمسافات حتى ان اي حوار قادم بين الطرفين قد يكون من وراء جدر ويحتاج الى وسيط .
ويأتي تعيين المبعوث الامريكي الخامس اسكوت جريشان في ظرف معقد اكثر بكثير مما عاشه ممن سبقه من المبعوثين الذين كان اولهم هاري جونستون في عهد الرئيس بيل كلينتون ثم جون دانفورث المعين بواسطة الرئيس السابق جورج بوش في العام 2001 والذي لعب دورا رياديا في تحقيق اتفاقية السلام الشامل، ليليه اندرو ناتسيوس ومن بعد ريتشارد ليامسون، فعلى عكس الآخرين قد يجد جريشان ان الرتق اتسع على الراتقين، وبينما يرى مراقبون ان تعيين مبعوث في الوقت الحالي امر ايجابي باعتبار حاجة السودان لعلاقات طيبة مع امريكا، والى ما يتوفر من تفويض كامل يمنح للمبعوث الرئاسي، يذهب محللون الى ان نقاط الالتقاء بين البلدين تكاد ان تتلاشى، ويقول أمين بناني رئيس حزب العدالة القومي ان فرص الحكومة لإيجاد حلول مع الغرب استنفذت لحد بعيد، لانها هادنت الغرب طويلاً، وقدمت تنازلات كبيرة مع ذلك لم تجن كثيراً، لأن أطماع الغرب لا حدود لها ورغبة الغرب في الهيمنة تجاوزت قدرة النظام، ويشدد بناني في حوار صحفي معه قبل ايام على ان الحل الوحيد للحكومة أن تقوي استراتيجيات المقاومة من خلال التحالفات مع القوى المضادة للغرب أو التي يمكن أن تنافس الغرب في السودان، مشيرا الى ان فائدة هذه التحالفات تتمثل في ان الغرب اذا حسب أن النظام لديه حلفاء أقوياء ويمكن أن يصمد لفترة طويلة امام التحديات عندئذ يمكن للغرب أن يتفاهم مع السودان على كل الملفات مؤكدا ان السودان في هذه المرحلة لا سبيل له إلا المواجهة مع الغرب.
ولكن البروفيسور حسن مكي يذهب في اتجاه آخر ويشير في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس الى عوامل غير مرئية تتحكم في الموضوع مثل موقف الاتحاد الافريقي والجامعة العربية والموقفين المصري والسعودي اضافة الى الحدث الطارئ ان امريكا ارتكبت جريمة بقصفها لقافلة شلاتين ومات فيها37 من الابرياء مؤكدا ان هذه القضية اذا اثيرت في الرأي العام الامريكي سوف تجر علي الادارة الامريكية ما لا ترجوه، لانها تعاملت معهم كارهابيين وهم ابرياء، والحكومة الامريكية تعلم ذلك ولن تصعد الامر، ويشير مكي الى ان امريكا واسرائيل راغبتان في دفن المحكمة الجنائية (دفنة لائقة)، حتى لا تثار قضايا ضحايا غزة، ويشدد حسن مكي على وجود متغيرات كثيرة تحت السطح (ولكنها مازالت خاضعة المناخ للدولي السائد) .
وبعد ان يشير الى ان امريكا في ورطة بين انها تؤيد الاتهام في ما يتعلق بالمحكمة الجنائية وترفض التعامل معها، وورطتها في انها تقوم باعمال متناقضة، يذهب البروفيسور صلاح الدومة في قراءته لمسألة تعيين مبعوث في الوقت الحالي الى ان الامريكان يعتبرون تعيين مبعوث هو لحكومة جمهورية السودان الباقية والمتغير هو رئيس الجمهورية وعلي الحكومة ان تتخذ قرارا بشأن الرئيس المتهم من قبل المحكمة الجنائية المستمدة قوتها من مجلس الامن المستمد قوته من الامم المتحدة، ليعود الدومة ويقول ان تناقض موقف امريكا لا يؤثر على المبعوث ومهمته في السودان لان امريكا لا تستحي وتعتقد انه يحق لها ان تفعل اي شئ وهذا دليل على الغطرسة وعدم الحياء.
بينما يترك البروف مكي الباب مفتوحا ويقول انه قد يصدق ان تتلاشى القضية مثار الازمة، مشيرا الى ان امريكا تريد ان تعطي نفسها بعض الوقت بتعيينها للمبعوث الجديد (ولو كانت تريد ان تأخذ قرارا خاتما ونهائيا لتركت الموضوع في يد سوزان رايس ممثلتها في مجلس الامن) ويمضي مكي الى ان امريكا تشهد اعادة تقييم لعلاقاتها مع السودان، ناعيا على الخارجية عجلتها في الرد على نبأ تعيين المبعوث الامريكي قائلا (ما كان يجب ان تستعجل في اشتراط الترحيب)
يشار الى ان المبعوث الامريكي اسكوت جريشان ابن ابوين من المبشرين المسيحيين تربي في افريقيا وهو يتحدث اللغة السواحلية بطلاقة وحسب مصدر تحدث لوكالة رويترز قال "ان جريشان له خبرة واسعة بالمنطقة وتربطه علاقات شخصية ومهنية مع زعماء كبار والاهم من ذلك انه تربطه صداقة شخصية بالرئيس الذي يصغي اليه."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق