الأربعاء، 13 مايو 2009

الامن القومي حين يبتعد الوصول



الامن القومي .. حين يبتعد الوصول

تقرير : التقي محمد عثمان



درج بعض الساسة على وصم الاعلام اما بالغباء او بتهديد الامن القومي، او بالوصمتين معا، وتتجلى انصع النماذج في حادثتين، الاولى حينما دافع الدكتور عوض الجاز في اعقاب توليه منصب وزير المالية عن الرقابة القبلية على الصحف وقال إن بالبلاد نحو «40» صحيفة وان أداء بعضها يهدد الأمن القومي، والثانية عندما شن مستشار الرئيس الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل السوداني، هجوما على الإعلام العربي، وقال «مشكلتنا في أجهزة الإعلام.. للأسف الشديد لدينا إعلام غبي.. لا يفرق بين الأمن القومي والسبق الإعلامي». مما حدا بالاعلاميين والصحفيين ان يتصدو في كل مرة لما يطالهم من تجن ٍبما يدفع الحيف عنهم، ليبقى السجال ما بقي الأمن مهددا، فالاختلاف في التعاطي مع مسألة تهديد الامن القومي امر وارد لاختلاف الموقع الذي ينظر منه الناظر او لدرجة حساسيته تجاه الأمر.
الا ان ما نحن بصدده يتعلق بالمفهوم الواسع للأمن القومي الذي يبدأ من الأمن العسكري ولا ينتهي بالأمن الغذائي، وبحسب التعريف، فإن المقصود بالأمن القومي تلك القضايا المتعلقة بحماية الدولة وبقائها وضمانة أمن حدودها المحيطة، وكذلك الفضاء التابع لها جوًّا وبحرًا، ويُدخل بعض علماء الإستراتيجية الدولية قضية الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة حتى تلك التي تقع خارج الحدود، وهذا التعريف تتفق معه دائرة المعارف البريطانية التي قالت إن الأمن القومي هو "حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية" أو كما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر إن مفهوم "الأمن" يعني "أيّ تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء"، وبحسب الخبراء فهذا هو التعريف الكلاسيكي للأمن القومي ويقول محرك البحث قوقل– وكما وجدت في العديد من المواقع الالكترونية - أن هذا المفهوم تطوَّر كثيرًا في مرحلة الحرب الباردة وما بعدها، وساهمت أحداث 11 سبتمبر في المزيد من التطوير لهذا المصطلح ومكوناته، مع تراجع التهديدات العسكرية للأمن القومي إلى مراتب أدنى لصالح تهديدات أخرى بعضها داخلي مثل الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية التي أدت في الكثير من الأحوال إلى تفتت دولٍ بأسرها واختفائها وظهور دول أخرى محلها، كما أن التدخلات الدولية أو الخارجية في الشئون الداخلية للدول لم تعُد تقتصر على التهديد المسلَّح، بل بات تهديد المصالح الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية على قدر درجة قوة وانتشار نفوذ الدولة وبالتالي توسع مصالحها وممكنات تهديداتها.
وفي حديثه معي عبر الهاتف امس يشير العميد امن «م» حسن بيومي الى مفاهيم كثيرة للأمن القومي تمثلها عدة مدارس تحتوي على المفهوم التقليدي الذي يحصر المسألة في الجانب العسكري والمفاهيم الحديثة التي تقول ان قضية الأمن القومي قضيةٌ متنوعةٌ في أبعادها، فهناك المناحي الاجتماعية والاقتصادية ، وكذلك السياسية والعسكرية، مؤكدا انها كلها مفاهيم متغيرة، مشيرا الى ضرورة توفر عناصر ما اسماه بالمثلث الذهبي حتى يتحقق الامن، والاضلع الثلاث هي الحكم الراشد، الامن والاستقرار، التنمية، و( اذا اهتز اي واحد منها يعني هذا ان الامن القومي فيه مشكلة).
وبحسب باحثين فإن ابرز المهددات للأمن القومي في الوقت الحاضر هي النزاعات الاقليمية والجهوية والاعتداء على المال العام والرشوة والفساد والانفلات الأمني وسط المجموعات المسلحة والمستوعبة بالقوات النظامية وفقا للاتفاقيات الموقعة، ويضيف الإمام الصادق المهدي في كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام السابع لحزب الامة الحروب الأهلية في دول الجوار حيث يقول، ما زالت الحروب الأهلية مشتعلة في شمال يوغندا وشرق الكونغو، وفي غرب إثيوبيا، وفي شرق تشاد، (وكلها حروب متداخلة مع السودان ولا يرجى استقرار في المنطقة ما لم تتحرك الإرادة السياسية بفاعلية في القارة وما بين دول الجوار لاحتواء هذه الحروب باتفاقيات سلام عادل)، ويضيف الكاتب والصحفي سيد احمد خليفة التزايد المخيف للوافدين والوافدات من الدول المجاورة، حيث أصبح وجود هؤلاء ملحوظاً بل ومهدداً للهوية والقيم السودانية، ويقول ان اسوأ ما فيه هو أن هذا الوجود أو «الغزو» يتم تحت سمع وبصر السلطات المعنية، فالكل يعلم أن وجود هذه الحشود الضخمة من الأجانب رجالاً وشيباً وشباباً يتم بصورة غير قانونية في الغالب العام، أي عن طريق التهريب والعمل المنظم من خلال عصابات وجماعات موجودة داخل الدول المجاورة وداخل السودان وليس من الصعب التعرف عليها ومحاسبتها وتصفيتها وسد الثغرات التي يتسلل منها هذا الحشد الحاشد من الأجانب إلى بلادنا التي ضاقت في الأصل باللاجئين والنازحين من الحروب الطرفية والمشكلات الاقتصادية في الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب
وبالطبع يجب ان تتم الاشارة الى الاختراق المباشر للاراضي السودانية من قبل مقاتلات اجنبية في شرق السودان قبل اسابيع والتي اعادت الى الاذهان حادثتي القصف الليبي لمبني الاذاعة السودانية وبعض المناطق المجاورة لها منتصف الثمانينيات، والقصف الامريكي لمصنع الشفاء بالخرطوم بحري عام 1998م .
ويركز بيومي في تناوله لمهددات الامن القومي السوداني على الثقوب الامنية التي تنجم عن التهاون في اي من اضلاع المثلث الذهبي ويقول ان الحكم الراشد عن طريق الديمقراطية وحكم الشعب لنفسه بنفسه اذا تحقق هذا تصبح المشاكل السياسية محلولة مشددا على اهمية اعطاء الشعب حقوقه في اللامركزية والتنمية المتوازنة والمشاركة في السلطة، مشيرا الى ان اي نظام حكم مر على السودان لم يستطع ايصال البلد الى حكم راشد او تحقيق عدالة اجتماعية (في هذه الحالة تصبح هناك ثقوب امنية)، منبها الى ان عدم الانصهار القومي وعدم التماسك الاجتماعي يجعل الثقوب الامنية تتسع مثلما حدث في دارفو ( فغياب بوتقات الانصهار «جامعة الخرطوم ـ الخدمة المدنية ـ الجيش، الاحزاب» مؤكدا ان عدم الاهتمام بهذه الاوعية يخلق ثقوبا امنية ، هذا اضافة الى المهددات الخارجية من الدول الاخرى التي تطمع في موارد السودان وامكانياته الهائلة وبالتالي تمنع استقراره (فاذا استقر السودان يصبح اضافة قوية للدول الافريقية والعربية)، مؤكدا ان دولة مثل اسرائيل لن تقبل استقراره لانها ترى انه سيصبح ماردا، فضلا عن المهددات الاخرى الظاهرة في سياسة جر السودان من الاطراف. ليدلف بيومي بعدها الى خارطة طريق في سد الثقوب اولا في الجبهة الداخلية عن طريق بسط الحريات والتصالح مع الذات لتحاشي الصراعات بين اقاويم السودان وان يتصالح الحاكم مع الشعب باعطاء الناس حقوقها، والسعي الى تحقيق العدالة الاجتماعية، ومعالجة مشكلتي البطالة والفقر ومنح الحكم الذاتي لكل الاقاليم بصلاحيات واسعة جدا مع الاشتراك في الحكومة المركزي، وثانيا في الجبهة الخارجية اذ لابد من عدم الدخول مع دول الجوار في مشاكل واحتكاكات وان تبنى العلاقات على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والتعاون مع المجتمع الدولي وفقا لقاعدة التأثير والتأثر في اطار الاحترام والمصالح المتبادلين.
..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق