الخميس، 14 مايو 2009

القوى الساسية .. من مأمنه يؤتى الحذر

القوى الساسية .. من مأمنه يؤتى الحذر


التقي محمد عثمان

تباينت رؤى القوى السياسية بعد الرابع من مارس في اي السبل هو الامثل للخروج من الازمة الماثلة، فبعد ان كانت غالبية القوى تراهن على التحول نحو الديمقراطية بعد الفترة الانتقالية بخطوات محسوبة تتصدرها خطوة تعديل القوانين ومن ثم الانتحاء بالناخبين للاقتراع لمرشحيها، يلوح الآن ان خيارها الراجح هو التقاء السوانيين بمختلف مكوناتهم في مؤتمر جامع يضع على الطاولة كل اوجه الازمة لتشخيصها على نحو جديد يتيح للسودان الانتقال من عصر النكبات التي لازمته منذ الحكم الوطني الاول في 1953 ربما الى عصر الانفتاح على كل مقومات واقاويم الوطن ليصبح ( كل سونكي مسطرينة )، ويتضح هذا الاتجاه من جملة المقترحات التي تدفع بها القوى السياسية الآن.
وبحسب مراقبين فان سمات التوجه الجديد تلوح في خطابات القوى السياسية المنفعلة بما يجري وفي توضيحاتها الدالة على طريق الامل مما يبشر - رغم سحب الضبا ب الاسود المخيمة على الاجواء - باحتمالات انجلاء الازمة بما يؤكد ان السودان بلد محروس كما جرى على لسان احد مفكريه ، فقد حرصت القوى السياسية في مجمل مقارباتها لمشاريع الحل على استصحاب كل تعقيدات المسألة وعلى النظر الكلي للامور وتحاشي الحلول الجزئية التي تورد موارد الهلاك، مستشهدين بالكثير مما جاء في ماضيات الايام من اقوال ومواقف.
فقد قال السيد الصادق المهدى ان التعامل مع ازمة المحكمة الجنائية، يتطلب توازنا دقيقا بين الحفاظ على استقرار السودان وبين احترام مقتضيات العدالة، وهذا يقتضى رفض تسليم رأس الدولة، وفى الوقت نفسه التعاون مع المحكمة، وقال في مجلس الشعب المصري قبل ايام ان هذه المعادلة يمكن تحقيقها عبر الاخذ بحزمة من اربعة عناصر: التعامل مع الازمة بهدوء، وتقديم معادلة للمساءلة القانونية بما يمكن قبوله فى اطار اتفاقية روما، عبر محاكم هجين سودانية عربية افريقية، بقانون خاص يتيح لها ممارسة عملها، وفى الوقت نفسه القيام بمجهود استثنائى لحل ازمة دارفوريستجيب للمطالب المشروعة لاهل دارفور، والعنصر الرابع – وهنا المربط - هو الاصلاح السياسى القائم على التحول الديمقراطى، وتحقيق التغيير عن طريق الانتخابات وليس عن طريق المواجهة او الشارع ، اذ توجد الان اكثر من خمسين جماعة مسلحة باجنداتها السياسية.وقال السيد الصادق انه اذا وافقت الحكومة على هذا الطرح فمن الممكن تحقيق توافق داخلى حوله، وانه يضمن بعد ذلك تسويقه وموافقة الحركات المسلحة عليه على ان تكون هناك حاضنة عرببة افريقية له.
بينما ذهب الدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي في تصريحات صحفية بعد اطلاق سراحه الى انه «إذا ما حدث اتفاق على الإدارة وعلى ضمان الحريات والالتزام بالمواثيق والعهود ومحاربة الفساد فإنه يمكن خلق اتفاقات مع كل القوى السياسية في البلاد»، ودعا الحزب الشيوعي الى تشكيل آلية قومية طارحا موجهات للخروج من ازمة الجنائية ودعا المكتب السياسي للحزب في بيان قبل ثلاثة ايام الى توحيد الجبهة الداخلية ،مطالبا بمضاعفة الجهود للوصول إلى حل عادل وشامل لقضية دارفور يستجيب لمطالب أهل الاقليم، مشيراً الى ان الحل لن يتأتى إلا عبر آلية قومية يشارك فيها الجميع: حركات دارفور المسلحة، التنظيمات والقيادات الدارفورية الأخرى، ممثلي الادارة الأهلية والمنظمات المدنية الدارفورية، اضافة الى جميع التنظيمات السياسية الأخرى على نطاق الوطن، مجددا دعوته بالاسراع في انجاز كل تفاصيل التحول الديمقراطي دون تلكوء أو تماطل، بجانب تنفيذ كل الاتفاقات الموقع عليها وذلك باشراف آلية قومية تشارك فيها تنظيمات الشعب السوداني كافة من أحزاب ومنظمات وتجمعات،والعمل على استخلاص برنامج وطني شامل من هذه الاتفاقات من اجل ضمان وحدة الوطن واستقراره في اطار الدولة المدنية الديمقراطية، ومن أجل التنمية المتوازنة والسلم الوطيد.
من جانبه كان الحزب الاتحادي الديمقراطي طرح مبادرة الوفاق الوطني الشامل مجددا فيها حرصه على استصحاب كل مكونات الحياة السياسية السودانية في اي معادلة سياسية قادمة، اضافة الى موقفه المبدئي الرافض لتسليم أي سوداني إلى المحكمة الجنائية الدولية، معتبرا أن ذلك يتعارض مع سيادة السودان، وتحدث زعيم الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني عن "توطين العدالة"، الى جانب مطلوبات اخرى حتى تتحقق الاجواء الملائمة للوفاق الوطني الشامل.
وفي اتجاه آخر جدد الحزب الاتحادي الديمقراطي الهيئة العامة الدعوة التي أطلقها في أغسطس الماضي بتشكيل حكومة تكنوقراط باعتبار أن ذلك يمثل مخرجا لحل الأزمة السياسية الناتجة عن قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية وقال مساعد الأمين العام للشؤون السياسية عز العرب حمد النيل بأن البلاد كلها في حاجة إلي تقديم المزيد من الاقتراحات من قبل الأحزاب السياسية حتي تتجنب البلاد خطر المواجهة مع المجتمع الدولي وقال حمد النيل بأن علي حكومة التكنوقراط توفير ضمانات جيدة لتنفيذ اتفاقيات السلام المبرمة وتلك التي في الطريق علي أن تقوم بحث جميع أطراف النزاع في دارفور بتوحيد موقفها التفاوضي مع الحكومة، وأضاف أنه لا بد لهذه الحكومة الجديدة من العمل علي عقد مصالحة وطنية شاملة ويكون ذلك بمثابة رسالة للعالم اجمع بأن السودان لديه من القدرة الداخلية ما هو كفيل بتجاوز العقبات مهما كان حجمها
وقال المكتب الاعلامي لحزب التحالف الوطني السوداني الذي يراس مكتبه التنفيذي عبد العزيز خالد ان المخرج الصحيح للأزمة الحالية يحتاج في المقام الاول أن تتمتع الأطراف الحاكمة حالياً والمؤتمر الوطني على وجه الخصوص بالإرادة والرغبة الحقيقية للحل لإيجاد حل وأن يتحلى الجميع بالحكمة والعقلانية والشجاعة والتخلى عن المناورات والمزايدات والاستعانة بالاخرين عند اشتداد الازمات. واقترح التحالف تشكيل حكومة قومية انتقالية لمعالجة الازمة مع المجتمع الدولي تحفظ نسب الحركة الشعبية والحركات الموقعة على ابوجا واتفاق سلام الشرق والتوصل لحل سلمي سياسي شامل وعادل يلبي مطالب اهل دارفور واكمال عملية تعديل القوانين وموائمتها مع الدستور الانتقالي وتضمين جرائم الابادة الانسانية والحرب والجرائم ضد الإنسانية بالقانون الجنائي، واقامة انتخابات حرة وشفافة لا يستثني منها اي جزء من السودان بمراقبة محلية وإقليمة ودولية.
هذه وغيرها من المقترحات العملية وذات الحساسية العالية تجاه ما يجري تذخر بها الساحة السودانية، مما قد يعني ان التربة اضحت معدة للفلاحة وان اللبن السائغ قد اوشك ان يأتي من بين فرث ودم، الا ان استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا الدكتور حمد عمر حاوي ينبه الى ان خطابات الاستهلاك السياسي لا تجدي فتيلا مؤكدا ان اس الموضوع في ملعب الانقاذ، (وحتى تقف الاحزاب وقفة صادقة وحقيقية هناك ثمن يجب على الانقاذ ان تدفعه وهو ليس بالثمن السهل فهو متعلق بالحريات باشكالها المختلفة وبالقوانين المقيدة للحريات وبالمشاركة في السلطة) ويشير حاوي في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس الى ان من يقولون بامكانية الوصول الى حلول دون التأمين على الاستحقاقات الواجبة هذه يعيشون على الاماني، مشددا على ان المسألة جادة هذه المرة ويمكن لاهل الانقاذ تحويلها الى خير يعم اهل السودان او ان تكون وبالا على الجميع ، مضيفا (ما لم تقبل الانقاذ فلن يتحقق شيء وما تقوله الاحزاب مجرد اقتراحات او اراء)، ويقول، في نهاية الامر وحدها الانقاذ يمكن ان تحول هذه الاقتراحات والآراء الى برامج وبخلاف موافقة الانقاذ تصبح المسألة مجرد حديث لا اساس له في الواقع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق