الخميس، 14 مايو 2009

الخرطوم وانجمينا .. رحنا أم اتينا .. !!

الخرطوم وانجمينا .. رحنا أم اتينا .. !!

تقرير : التقي محمد عثمان


وقّع السودان وتشاد اتفاقا جديدا لتطبيع العلاقات بينهما للمرة السادسة في غضون ثلاث سنوات، بمعدل اتفاق لكل ستة اشهر، لينفتح الباب للتساؤل حول حظوظه من التنفيذ وتحقيق نتائج على ارض الواقع المستعرة بين البلدين لآماد، وحظوظه المضادة من التقاعس وما اذا كان سيندرج في خانة العهود والمواثيق المنقوضة عقب التوقيع عليها مباشرة .
اذ تشير الوقائع القريبة والغريبة الى توقيع خمس اتفاقيات سابقة اولها اتفاق طرابلس الموقع في الثامن من فبراير 2006 ، ثم اتفاق الخرطوم الإطاري والبروتوكولات الملحقة يوم 28 أغسطس ،2006 ثم إعلان كان يوم 15 فبراير2007، ثم اتفاق الرياض في الثالث من مايو 2007، واخيرا اتفاق داكار في 14مارس 2008 ، فضلا عن لقاءات قمة أُظهرت فيها النيات الحسنة وبذلت فيها الوعود باشاعة السلام بين البلدين، ولم يقد كل توقيع الا الى توقيع آخر، مما عده مراقبون من الظواهر النادرة في العلاقات الدولية.
وتأتي اهمية تلافي اوجه التأزم بين الخرطوم وانجمينا من اجماع الجميع على استحالة تحقق استقرار في اقليم دارفور المضطرب دون التوصل الى لجم احصنة الانفلات في العلاقات بين دول الجوار، وتحديدا السودان وتشاد، وهنا يقول جبريل باسولي الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي ان المصالحة بين السودان وتشاد تمثل عاملاً مفيداً وأساسياً في تحقيق سلام إقليم دارفور، مشددا في حديثه قبل التوقيع الاخير بقليل، على اننا نحتاج بالفعل لمثل هذه المحادثات والمشاورات ما دام هدفها السلام والاستقرار في السودان وتشاد وفي مناطق الحدود بينهما، بينما يدعو رئيس جنوب افريقيا السابق ثابو مبيكي الذي يرأس لجنة وساطة تابعة للاتحاد الافريقي من اجل الازمة في دارفور، الى "تطبيع العلاقات بين التشاد والسودان" لاحلال السلام في دارفور، وقال مبيكي في مؤتمر صحافي في مقر الاتحاد الافريقي في اديس ابابا قبل يومين "ينبغي تطبيع العلاقات بين التشاد والسودان، والا سيصعب ايجاد حل لازمة دارفور".
ومع ذلك فمن الواضح ان الاتفاق تتهدده الكثير من المطبات، تتصدرها ما عبر عنه الموقعون على الاتفاق من مخاوف، رغم التفاؤل الذي حاولوا اضفاءه على الاجواء الاحتفالية، اذ اكد الموقع عن الحكومة السودانية وزيرالتعاون الدولي الدكتور التيجاني صالح فضيل، ان التحدي الراهن يتمثل في كيفية تفعيل الاتفاق الذي تم التوصل اليه بعد فشل الاتفاقات السابقة التي وقعها البلدان، وقال وزير العلاقات الخارجية التشادي موسى الفكي إن الطرفين تطرقا خلال الاجتماعات الى مجموعة من القضايا الأساسية، منها اعادة الثقة وتطوير الآليات لتطبيق الاتفاقيات على الأرض، وقال الامين السياسي بالمؤتمر الوطني محمد مندور المهدي للصحافيين اول امس ان الحكومة وافقت على المبادرات السابقة ووقعت على الكثير من الاتفاقات ولكنها باءت جميعا بالفشل الذريع، وبنظر مراقبين فان الاتفاق الجديد لم يخرج كثيرا عن سابقيه عدا عن اضافة قطر الى آلية داكار المكونة من ليبيا والكونغو والسنغال والغابون وإريتريا وهي المجموعة المكلفة بمتابعة وتنفيذ اتفاق داكار بنية حسنة ومراقبة أي انتهاكات محتملة عبر اجتماعات مرة في كل شهر في إحدى عواصم الدول أعضاء المجموعة، ونصت ابرز بنود الاتفاق الجديد على ضرورة تنفيذ التعهدات التي وقعت بين الجانبين في اوقات سابقة، وهو البند الذي يمكن ان نقرأه بالنص في البند الثاني من اتفاق داكار الموقع عليه بين رئيسي البلدين في 14مارس 2008 مؤكدين فيه (احترام التعهدات السابقة)
وعزز التطور الذي حدث امس من احتمالات الانحدار الى الدرك السحيق من الغزو والغزو المضاد على مشارف العواصم، اذ لم يمض يومان على التوقيع على الاتفاق الجديد، حتى تبادل البلدان الاتهامات، وقال بيان صادر عن وزير الاعلام التشادي محمد حسين "بينما لم يجف بعد المداد الذي وقع به اتفاق الدوحة حرك نظام الخرطوم عدة قوافل عسكرية ضد بلادنا". واتهم الخرطوم بـ"العدون المخطط"، وفي المقابل، قال المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية لوكالة فرانس برس ان السودان "ليس له اي صلة" بالهجوم العسكري على تشاد. واوضح العميد الدكتورعثمان الاغبش ان "ما يجري حاليا في تشاد يتعلق بالجيش التشادي والمتمردين التشاديين. وليس للسودان اي علاقة بذلك"، بينما اصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانا يحمل قدرا كبيرا من التفاؤل بامكانية تجاوز ما حدث رامية الاتهام على جهات لم تسمها قائلة ان لها مصلحة في تدهور الاوضاع بين البلدين ، مؤكدة ان تلك الجهات ليس من مصلحتها اعادة اعمار العلاقة بين البلدين لأنها مستفيدة من حالة التدهور التي تحدث.
وزيادة على ذلك، يدعو فشل تطبيق الاتفاقات السابقة الى التشكك في احتمال نجاح الاتفاق الاخير رغم الآمال المعلقة عليه، ويرجع الباحث المصري هاني رسلان فشل الاتفاقيات والمساعي لاحتواء التوتر بين الخرطوم وأنجمينا إلى كون هذه الاتفاقيات اتجهت إلى معالجة نتائج أو مظاهر التوتر في العلاقة بين الخرطوم وأنجمينا، في حين أنها لم تقترب من المصدر الأساسي لأزمة دارفور، ويشير رسلان في مقال صحفي الى ان السبب يعود لعجز الرئيس التشادي عن السيطرة على الاوضاع في بلاده ، ويقول (كان من الواضح لأي مراقب أن إدريس ديبي عاجز عن الالتزام بأي اتفاق مع السودان، لأن الدعم لمتمردي دارفور يتم رغماً عن إرادته، حيث أصبح غير قادر في السيطرة على أبناء قبيلته الذين حاولوا تدبير انقلاب ضده العام 2005 للإطاحة به لأنه لم يكن موافقًا على تقديم الدعم للحركات المسلحة في دارفور).
بينما يرجع الخبير الاستراتيجي الدكتور حسن حاج علي الفشل الي تعقيد آخر، ويقول في ورقة له قدمها بالمؤتمر الاول لجمعية العلوم السياسية في نوفمبر الماضي ان التحدي، بالنسبة للسودان في ما يتعلق بامن حدوده الغربية، يتجلى في وجود شبكات عديدة ذات اهداف مختلفة ( تتكون هذه الشبكات من فاعلين ناشطين يشملون حكومات ومنظمات ومرتزقة وامراء حرب ومليشيات وشركات ومغامرين ) ويوضح حاج علي ان كل شبكة من هذه تسعى الى تحقيق اهداف سياسية واقتصادية وجيوسياسية واجتماعية متباينة حينا ومتقاطعة احيانا اخرى ، مؤكدا ان مساعي فض النزاع تتطلب مدخلا شاملا يتعرض لواقع هذه الشبكات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق