الخميس، 1 أكتوبر 2009

الرقابة القبلية .. كان بدري عليك


الرقابة القبلية .. كان بدري عليك

تقرير التقي محمد عثمان

حين اصدرت المحكمة الدستورية حكما لصالح جهاز الامن بحقه في ممارسة الرقابة القبلية استنادا على انها لم تجد في الدستور السوداني والقوانين ذات الصلة نصاً صريحاً يمنع الرقابة المسبقة وتقصر ممارستها على السلطة القضائية، قال مختصون في حينها ان ذلك يتعارض مع الدستور الانتقالي نفسه لأنه نص في المادة (39) منه على ان
لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة، وذلك وفقاً لما يحدده القانون، وعابوا على المحكمة انها بحثت عن نصوص تمنع الرقابة القبلية بدلا من البحث عن نصوص تجيزها، وتساءل الخبير القانوني امين مكي مدني في مقال له عن، هل يجوز للمحكمة الدستورية أن تخلص إلى أنّ غياب ذلك النص يشكل إباحة لفرض تلك الرقابة؟ أم على العكس؟ ويقول (كان حري بالمحكمة أن تبحث في ما إذا كان هناك ما "يجيز" الرقابة القبلية، ليس ما يمنعها, ففي تلك الحالة فإن عدم الإشارة إلى تقييد أو منع حرية النشر يعني إباحتها).
و قرأ البعض قرار المحكمة كتخطيط موزون يسبق الخطوة التالية المتكشفة عن رفع الرقابة وفقا لآلية ضبط لصحافة سودانية يراها البعض غير بالغة الرشد وتحتاج ابدا الى رقيب وان كان من داخل كارها، مشيرين الى حديث مدير جهاز الأمن الجديد الفريق محمد عطا في مأدبة افطار رمضاني ضمت صحافيين حين قال (ان الجهاز لن يتعسف في استخدام قرار المحكمة الدستورية الصادر لصالحه كما يتصور البعض بل إن الجهاز حريص على رفع الرقابة على الصحف) وقوله في اللقاء الذي ضم رئيس الجمهورية ولجنة متابعة تنفيذ ميثاق الشرف الصحفي ببيت الضيافة قبل ثلاثة ايام (إن جهاز الأمن لم يكن مُرتاحاً للتدخل في شأن الرقابة لو لم تفرضها الأحداث والتجاوزات)، وأضاف (الدليل على ذلك إننا نسعى الآن لرفع الرقابة رغم إقرارها بواسطة المحكمة الدستورية) مما دفع بعض المحللين الى الربط بين حكم المحكمة الدستورية لصالح جهاز الأمن وبين ميثاق الشرف الصحفي و (انه لم يكن من قبيل المصادفة أن يتم التوقيع على الميثاق الشرف الصحفي بعد أن شطبت المحكمة الدستورية الطعن المقدم من شركة مسارات للإنتاج الإعلامي، وشركة أكورد للخدمات ضد الرقابة القبلية على الصحف، مؤكدين ان المراد من ميثاق الشرف الصحفي بالتحديد ان يكون بديلاً للرقابة الأمنية بعد ان يتم التاكيد عليها بحكم دستوري.
وابتداء هناك هناك جملة من المآخذ اخذها الآخذون على ميثاق الشرف الصحفي، وقد استغرب البعض توقيع ممثل جهاز الأمن واﻟﻤﺨابرات على ميثاق الشرف الصحفي، ويدفع امين مكي مدني بان الدستور يمنح حقاً في التعبير والنشر يقيده بحدود لا يجوز تجاوزها، سواء بالالتزام الأخلاقي أو بالمحاسبة وفق القانون الجزائي الذي يجرم تلك الأفعال. ويقول (إذا حصرنا الأمر في الصحافة مثلاً ينبغي أن يلتزم الصحفي أخلاقياً باحترام المهنة والقانون، أو يعرض نفسه للمساءلة والعقاب وفق القانون. فلا سبيل إذن لإقحام سلطات جهاز الأمن في ذلك)، مشددا على ان مخالفة القانون الجزائي العادي تقع في نطاق عمل الشرطة والنيابة والقضاء، وليس جهاز الأمن والمخابرات، مستدركا بالقول (علماً بأن هذا لا يحرم ذلك الجهاز من سلطاته وفق قانونه في التحري وجمع المعلومات وتحليلها في المخالفات التي يعتقد أنها تهديد للأمن القومي وسلامة البلاد، ومن ثم أحالة الأمر إلى جهة الاختصاص العدلية) ويضيف (لا يجوز للجهاز أن يتدخل ويفرض حذف مادة أو موضوع معين أو منع إصدار صحيفة لاعتراضه على المادة المنشورة، إذ إن ذلك ليس من سلطته أو اختصاصه).
ويرى محلل سياسي تحدث لـ الصحافة ان رؤساء التحرير علقوا الحبل على رقبتهم وسيمارسون وفقا للميثاق الذي وقعوه دورا كانوا يرفضونه ، ويقول الكاتب والمحلل يس حسن بشير في مقال سجل فيه ملاحظاته على وثيقة رؤساء التحرير ان الميثاق بالاساس تمت صياغته بغرض طمأنة جهاز الأمن قبل صدور قرار رفع الرقابة القبلية بأن رؤساء التحرير قادرون على تطبيق الرقابة القبلية نيابة عنه، الا ان مستشار وزير الاعلام الدكتور ربيع عبد العاطي يقول ان الرقابة اصلا ذاتية، والاصل ان نمارس الحرية فضلا عن ان هذا تطور نحو الديمقراطية والانتخابات والاجواء الجديدة ويؤكد عبد العاطي في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس ان الرقابة اصلا لم تكن بموجب دستور وانما باجراءات احترازية مشيرا الى انها فرضت بطلب من الحركة الشعبية (وقد تابعنا انها كانت تحت ضغط صحفي من صحف لا نريد ان نسميها ) ، ويصف الخبير الصحفي فيصل محمد صالح تحويل رئيس التحرير الى رقيب بـ المسألة الـ مضحكة ويقول من الوارد ان تكون رقابتهم اسوأ من رقابة الجهاز اذا تعرضوا لابتزاز.
ومن المآخذ ان رؤساء التحرير غير مفوضين من اي صحفي للتوقيع نيابة عنهم على اي وثيقة وبالتالي يصبح ما تم التوقيع عليه يعنى الموقعين عليه فقط، وفي هذا يتساءل الكاتب الصحفي المعروف يس حسن بشير عن، هل يمثل رؤساء التحرير الصحفيين، وهل لهم حق الحديث بأسمهم وتحديد الحقوق والواجبات التي يلتزم بها الصحفي ، ويجيب بنفسه، بالقول أن النظرة الديوانية لمنصب رئيس التحرير لا تجوز في مجال مهني حيوي كمجال الصحافة، ويؤكد يس ان رئيس التحرير لا يعتبر الممثل المهني للصحفيين رغم انه يجلس في اعلى قمة الهرم الاداري للصحيفة ويشير الى ان رئيس التحرير في الصحف السودانية يمثل مصالح الناشر ( وهناك بالضرورة تناقض مصالح بين ما يمثله رئيس التحرير والمصالح المهنية للصحفيين ) .
ومن المآخذ ايضا، ان الصحفيين لم يستشاروا ولم يؤخذ رأيهم في شأن يخصهم بالدرجة الأولى ، ويقول الاستاذ فيصل محمد صالح ان مثل ميثاق الشرف هذا الاصل فيه ان ينجزه المعنيون به وهو من اختصاص الوسط الصحفي ولابد ان يطرح على الصحفيين وليس ان يأتي من جهاز الامن ويومئ الى ان الميثاق وضع بليل ويقول فيصل ان مهمة وضع الميثاق يجب ان لا يمارسها رؤساء التحرير وانما يجب ان يمارسها الوسط الصحفي، بينما يذهب ربيع عبد العاطي في اتجاه آخر ويقول ان الصحفيين لديهم مؤسسات فـ (هناك اتحاد صحفيين ورؤساء تحرير وصحافة ذات توجهات مختلفة، ويقول (الاجماع لم يحدث في التاريخ، ولدينا مؤسسات اجمعت على الميثاق، وبالتالي ليس هناك تجاوز للصحفيين وانما تم التحاور مع مؤسساتهم التي تمثلهم) ويضيف (الصحفي اذا كان يعمل في صحيفة ملزم بها وايضا اذا كان حرا، ولسنا ملزمين بالاتجاهات الفردية وانما بالمؤسسات الصحفية) ويشدد على ان الميثاق مر بالقنوات المعتمدة لدى الصحفيين، وكان علي شمو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، قال ان الميثاق إنطلاقة لمرحلة التحول الديمقراطي والانتخابات والحراك السياسي الذي لا يُمكن أن يحدث إلاّ في وجود صحافة حرة تُعبِّر عن الآراء والمذاهب المختلفة بحرية ورقابة ذاتية، وقال عقب توجيه رئيس الجمهورية برفع الرقابة عن الصحف إنّ الميثاق يعد مبادرة أخلاقية ومهنية من الصحافيين دون تدخل أيّة جهة أخرى، وأكّد أنّ الالتزام به يمثل سداً لأشكال الرقابة كافة. .
ولكن فيصل يرفض الكيفية التي تم بها اخراج الميثاق ويقول ان الاعتراض على الطريقة التي قدم بها وليس على مضمونه وفكرته، موضحا في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس ان رفع الرقابة مناسبة تستحق الاحتفاء لانها عودة الى الوضع الطبيعي، ويشير الى ان الرقابة المتخلفة التي كانت تمارس اختفت من العالم منذ زمن طويل، كأن يأتي رقيب بمقصه في آخر الليل ويلقي بالمواد الصحفية الى السلة، مؤكدا انها اردأ انواع الرقابة، ولا تليق بمرحلة التحول الديمقراطي .
فقط هل ما جرى من توقيع لميثاق ورفع رقابة يندرج في اطار الحقوق المكتسبة ام الاساسية بمعنى هل هو منحة ام حق اصيل وهل تستحق المنحة التي يمكن ان تسلب الاحتفاء، بعد ان يؤكد انها فعلا منحة من رئيس الجمهورية يقول فيصل انها العودة الى الوضع الطبيعي (ربما يرى البعض انها لا تستحق الاحتفاء، ولكنها تستحق )، وينفي ربيع عبد العاطي ان رفع الرقابة منحة (ومن يقولون انها منحة مخطئون، وانما هي مقيدة بقانون) ويشير الى ان الرقابة نفسها نص عليها الميثاق الذي اذا خالفه الصحافي سوف يعاقب مشددا على اننا نسير نحو الاتجاه الصحيح، ( ورفع الرقابة ليس منحة وانما تطور في اتجاه ان تعود الحقوق الى اهلها) ولكنه يعود ويقول (لا بد في حالة الاضطرار ان تقدر الامور بقدرها ، ومن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه) قائلا ( لا نريد ان يبتغي الصحفيون اغراضهم من وراء ميثاق الشرف الصحفي) مشيرا الى ان الرقابة اصبحت ذاتية ولا نريد ان نوجد ظروف ومبررات بموجبها تعود الرقابة ( ونحن دائما نرى عودة الامور الى الخلف تتم في ظروف قاهرة وغير عادية وهذه لا نتوقعها)، مشددا على ان الخط الاحمر هو ميثاق الشرف الذي ينبغي عدم تجاوزه (واذا تمت مخالفته فالعقوبة اشد واقسى).
الا ان فيصل لا يرى علاقة بين رفع الرقابة وقانون الصحافة وميثاق الشرف الصحفي.ويشير الى انه سبق القانون الحالي قانون وايضا سبق الميثاق ميثاق ويقول (الثابت ان الرقابة تمارس بموجب قانون الامن الوطني) ويشير الى ان المادة 6 تتحدث عن ان من اختصاص جهاز الامن الرقابة ( وطالما هي موجودة وما لم يتم تعديل قانون الامن الوطني ربما عادت الرقابة) ليعود ويؤكد ان المفصل هو تعديل قانون الامن، ومن جهته يشدد يس حسن بشير على ان الطريقة التي اتبعت في رفع الرقابة تقول انها منحة تمنحها الدولة متى ما رأت وتسحبها متى ما رأت وبالتالي هي ( ليست حقا دستوريا له حدود قانونية معينة وملامح يمكن الامساك بها والدفاع عنها ) ويقول ان رفع الرقابة ليس هدفا في حد ذاته وانما هو مطلب من مطالب التحول الديمقراطي ( لذلك يجب تتم عملية رفع الرقابة على اسس صحيحة سياسيا ومهنيا وامنيا)
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق