الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

ماذا لو جاءت الوحدة .. أتوافق الحركة الشعبية أم تحارب
..؟!!
تقرير: التقي محمد عثمان
ما زالت دول الجوار وامريكا واوربا تتحسب لموافقة أو عدم موافقة الحزب الحاكم على انفصال الجنوب، فتارة تجد من يسعى لتهدئة الخواطر وابقاء الأمور في خانة المقدور عليها محذرا من عواقب وخيمة، وتارة أخرى تجد من يلوح بعصا التهديد وينذر بالوعيد اذا لم ينصع المؤتمر الوطني لما يخرج به الاستفتاء من انفصال سهل وميسر، وتارة أخيرة تجد من يقدم المحفزات للوصول بسلاسة للنتائج المرتجاة.
في الأولى تجد الرئيس الاثيوبي ملس زناوي يحذر من عواقب “مروعة” بالنسبة لافريقيا إذا عاد السودان إلى الحرب، وقال ملس الاسبوع الماضي ابان استضافته محادثات الايقاد حول السودان في اديس ابابا “مثل جميع سيناريوهات يوم القيامة فإن (العودة للحرب) مروعة بدرجة لا يمكن توقعها.. مرجحا أن يكون الأمر أكثر صعوبة وتعقيدا، وقال انه يتعين فعل كل شيء في الاستطاعة لمنع الحرب من الحدوث لأن البديل سيكون بالغ التدمير ليس للسودان او للقرن الافريقي فحسب بل للقارة بأكملها.
وفي الثانية تجد الولايات المتحدة تعلن عن جملة تهديدات ستتخذ طريقها الى ارض الواقع اذا لم يف المؤتمر الوطني بتعهداته باجراء الاستفتاء في موعده، وتغلف امريكا وعيدها بورق الوعود الايجابية وتقول انها ستريح حكومة الخرطوم مما يقلق بالها، حيث كان السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، أعلن، خلال زيارته الأخيرة إلى السودان، عن وجود خارطة طريق اقترحها الرئيس باراك أوباما تقدم بموجبها حزمة حوافز للحكومة تتمثل في شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية واعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الى طبيعتها بتعيين سفير امريكي في الخرطوم.
وفي الثالثة تجد الاتحاد الأوروبي يشدد على أن يتصف الاستفتاء بـ (الصدقية) ويعرب عن أمله في أن يجري في (مناخ سلمي)، حيث أورد بيان أصدره وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بروكسل قبل ايام أن الاتحاد الأوروبي نشر في المنطقة بعثة للمراقبة الانتخابية “لتأكيد دعمه لتطبيق اتفاق السلام الشامل وإرساء مناخ من الثقة بعملية الاستفتاء”، ودعا الوزراء الأوروبيون كل الأطراف إلى “الامتناع عن أي عمل أحادي الجانب” قبل الاستفتاء وخلاله وبعده..
ومن جهته ما فتئ المؤتمر الوطني صبح مساء يؤكد على قبوله بنتائج الاستفتاء ويلحق موافقته بطلب خجول يتعلق بالحرية والنزاهة، كان آخرها ما قال به نائب رئيس الجمهورية ،على عثمان محمد طه، من التزام الحكومة بإجراء الاستفتاء فى موعده في التاسع من يناير المقبل، وتشديده على احترام رغبة الجنوبيين فى الاختيار، والحق طه لدى مخاطبته اعمال المؤتمر الافريقى للتنمية الخميس الماضي، شرط المؤتمر الوطني الدائم (ان يتم الاستفتاء بدون تأثير او تشويش)، ولكن الوطني لا يتردد ان يعلن كل مرة انه يفضل انفصالا بسلام على وحدة مع حرب .
ومن الجهة الثانية نجد الحركة الشعبية تتخلى كل يوم عن ارثها الوحدوي الموروث من مؤسسها الراحل دكتور جون قرنق وتتسع خطواتها بوتيرة متصاعدة نحو تبني خيار الانفصال للدرجة التي اعلن فيها امينها العام باقان أموم، أن قطار الوحدة بين شمال السودان وجنوبه قد ولى و (لم تبق قطرة أمل واحدة لوحدة السودان) ويذهب اكثر من ذلك ويقطع الطريق امام أي محاولة للعمل من أجلها حين يقول لصحيفة الشرق الأوسط في وقت سابق انه لا سبيل للوحدة إلا إذا قام المؤتمر الوطني باحتلال الجنوب عسكريا (وبالتالي فلن تكون وحدة.. وإنما احتلال).
والحال على هذا النحو، يكون السؤال حول مآل الأمور اذا اختار الجنوبيون الوحدة على الانفصال واردا، وواجبا، طالما ان الاستفتاء مفتوح على الخيارين، وبشكل اكثر تحديدا ما الذي سيكون عليه موقف الحركة الشعبية بعد ان أوغلت قدما في تبني اطروحة الانفصال وهي مالكة السلطة والمال والقوة العسكرية، وهل تركت الحركة الشعبية خطوط رجعة تقيها شرور الوحدة اذا جاءت نتيجة الاستفتاء تحملها، أم انها ستمضي في خطتها الجديدة بكل السبل وتضع كل بيضها في سلة الانفصال وستقاتل من أجله وتعلنه من طرف عبر برلمان الجنوب، كما قال من قبل اموم عقب بروز مطالبات بتأجيل الاستفتاء في الايام الأولى لتكوين مفوضية الاستفتاء إنه «إذا حدثت أي محاولة لتأجيل أو تعطيل الاستفتاء فإن برلمان جنوب السودان سيقرر الطرق التي يمكن أن يمارس بها الجنوبيون حقهم في تقرير المصير»، وقال ان إحدى تلك الطرق قد تكون تولي برلمان جنوب السودان الإشراف على عملية تنظيم الاستفتاء بشكل كامل دون الشمال إذا جاءت عملية الإعاقة من الشمال، وربما يتكرر الموقف نفسه ولكنه سيكون مرتبطا بنتيجة الاستفتاء وليس باعاقته.
اذ ليس من باب التكهن ـ كما يذهب مراقبون ـ تحذير جهات من احتمالات اندلاع الحرب، فربما كانت هذه التوقعات تضع في حسبانها رفض الحركة الشعبية لنتائج الاستفتاء اذا كانت وحدة لا انفصالا، فقد اشارت تقارير دولية اخيرة الى احتمالات ارتفاع كلفة الحرب بين الشمال والجنوب لتصل الى مائة مليار دولار مقسمة بين الشمال والجنوب ودول الجوار والمجتمع الدولي، وأقرب قراءة لهذه الارقام ترجح قيامها بين دولتين احداهما معلنة من طرف واحد، وفي حديثه المشار اليه مع صحيفة "الشرق الأوسط" كان اموم هدد بالعودة إلى الحرب مجددا في حال نقض اتفاقية السلام وعدم تنفيذها للنهاية، والنقض هنا ـ بحسب مراقبين ـ قد يعني تنفيذها بغير ما ترغب فيه الحركة الشعبية، ويشير كثيرون الى ان الحركة الشعبية ستقود الجنوبيون الى ما اعتزمته، ففي ورشة بالمركز العالمي للدراسات الافريقية عن (المخاطر المترتبة علي الانفصال وتداعياته) في يوليو الماضي، وصف السفير السابق بوزارة الخارجية البروفيسور ديفيد ديشان الانفصال بالاستعمار الجديد، لأن الحركة الشعبية ستفرضه على شعب الجنوب، وقال ان الاستفتاء في ظل الحركة سيكون مغشوشا وسيفتقد للنزاهة استنادا لتجربة الانتخابات، ومن وجهة نظر مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية الدكتور خالد حسين فان الحركة الشعبية باتت تلعب على المكشوف للوصول لقيام الدولة الجديدة عن طريق الإستفتاء، ولابد أن تكون نتيجة الإستفتاء لصالح الإنفصال.
ويقدم رئيس حركة القوى الديمقراطية (حق) قرشي عوض قراءته لموقف الحركة الشعبية الجديد المتبني للانفصال والرافض للوحدة، ويقول في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس ان الاحزاب الجنوبية بقيادة المنبر الديمقراطي (بونا ملوال) اختارت الانفصال بلا مواربة وحشدت حشودها من أجله وخلقت رأيا عاما داعما للانفصال وبالتالي وضعت الحركة الشعبية امام خيارات صعبة تتراوح بين فقدان التنافس على السلطة وأن تحرق نفسها، فاختارت الحركة الشعبية بدلا من الاحتراق ان تحرق كرت اللاعبين بالانفصال، وهذا الخيار ـ والحديث لقرشي عوض ـ لجأت اليه الحركة مكرهة بعد ان اجتمعت كل الظروف على التيار الوحدي، منبها الى ان المؤتمر الوطني الذي يزعم الآن الدعوة للوحدة حارب التيار الخطأ في الحركة الشعبية وهو تيار عرمان وباقان، مما جعله من حيث يدري ولا يدري يضعف التيار الذي كان يجب تقويته، ويشير عوض الى ان هذا الخيار اضطر له من قبل اسماعيل الازهري حين فاضل بين موقفين، الوقوف مع الوحدة مع مصر أو استقلال السودان فأختار الخيار الأخير حين لم يعد خيارا.
ويذهب الدكتور خالد حسين قريبا من هذه القراءة ولكن عبر فقه البدائل الذي اتخذته الحركة، ويقول في مقاله الاسبوعي اللعب على المكشوف ان سوء القصد والمكر الذي كانت تُضمره الحركة الشعبية استبان منذ توقيع نيفاشا. ووضح تماماً أن الحركة الشعبية ومن خلفها الولايات المتحدة كانت أحد أهداف الخيارت التي تُفضي إليها نيفاشا هي فصل الجنوب وإقامة الدولة المستقلة كخيارأخير. إذ الخيار الأول إسقاط المؤتمر الوطني عن طريق الإنتخابات من خلال الإتفاقية ثم إقامة دولة السودان الجديد بمفهوم الحركة الشعبية وإذا لم يتم أياً من هذه الخيارات يكون الإنفصال هو الخيار الأخير، وهو ما تعمل على تحقيقه الحركة الشعبية الآن، وستبذل في سبيله ما تستطيع وما لا تستطيع، ويشير حسين الى انه ليس مهماً بالنسبة للحركة الشعبية الوسيلة التي يتم بها تحقيق قيام الدولة الجديدة. سواءاً كان عن طريق صناديق الإقتراع عبر الإستفتاء أو عبر أي طريق آخر..
و يتوقع القيادي بالمؤتمر الوطني ربيع عبد العاطي في رده على (الصحافة) عبر الهاتف أمس ان يخلق اختيار الجنوبيين الوحدة واقعا جديدا، ويتوقع ان تنتصر الارادة الجنوبية لتحقيق التعايش السلمي والانصياع لحقائق التاريخ والواقع، ويقول ان فشل الحركة في تجيير ارادة الجنوبيين لمشروعها الانفصالي الجديد سيمثل فشلا ذريعا لها مما سيخلق معادلة جديدة، وبالتالي سيكون رد فعل الحركة الشعبية على اختيار الجنوبيين الوحدة مجرد فرفرة مذبوح، ويقول ان الحركة تعودت ان لا تشتغل على البرامج السياسية وانما على قوتها العسكرية وقدرتها على اغتصاب قضية الجنوب من القوى الأخرى، مشددا على ان الحركة الشعبية لا تمثل ارادة الجنوبيين وانما تمثل ارادتها، ويقول ان الحركة اذا اختارت الحرب في حال اختار شعب الجنوب الوحدة لن يكون لها وجود في الساحة وستعود كما كانت حركة متمردة ولن تتمتع بما كانت تتمتع به وربما تتحول الى آلية تخدم مصالح آخرين وليس لخدمة مصالح الجنوبيين، ويقول عبد العاطي ان الحركة اذا اختارت خيار المواجهة لوقف الوحدة ستخوض الحرب بردة فعل المهزوم ( والمهزوم قد يكون شرسا في البداية ولكن حربه لا تثمر في النهاية وسيصبح نسيا منسيا) مشيرا الى ان الحركة ستكون جربت الحرب والسلم ولم تحصل على ما تريده، واذا تمردت للمرة الثالثة لن تحقق هدفها وانما ستكون حربها خاسرة.
في المقابل وبحسب مراقبين فان الحركة الشعبية تمضي في خيارها نحو الانفصال مسنودة بحسابات دقيقة وباستطلاعات للرأي تعزز فرصها في حيازة الانفصال دون حاجة لانتزاعه بحرب جديدة، مشيرين في هذا الصدد الى استطلاع مستقل لرأي الناخبين الجنوبيين المحتملين عرضه معهد الدراسات الامنية الجنوب افريقي ابان مباحثات لشريكي الحكم منتصف العام الماضي بجنوب اشار الي ان 70% منهم اختاروا الانفصال عن الشمال في الاستفتاء حول تقرير المصير، ويقلل قرشي عوض من احتمالات الحرب باسباب اخرى منها ان الحركة لن تقاتل من اجل الانفصال اذا كان خيار الجنوبيين الوحدة، لأنها اصلا وحدوية، بل بالعكس ستكون خرجت من ورطة كبيرة ومأزق شديد لأن الوحدة ستقدم لها خدمة كبيرة باتاحتها لها فرصة العودة الى اطروحتها الاساسية (وحدة السودان على اسس جديدة)، ليعود ويقول ان الحركة ستخوض الحرب في حالة واحدة وهي اذا جرى تزوير في الاستفتاء ويضيف (حتى في هذه الحالة ما سيحدث هو ان الجيش الشعبي سيقوم بانقلاب يستبدل بموجبه القيادة السياسية للحركة ويأتي بأخرى ليخوض حربه)، من جهته يتوقع ربيع عبد العاطي ان تحدث متغيرات لا تجعل من الحرب احتمالا واردا، ويقول انه ستسود حالة رمادية في المرحلة القادمة لا انفصال ولا حرب بحيث تنتصر الارادة الرامية لتحقيق التعايش السلمي والانصياع لحقائق التاريخ والواقع، ولكن الدكتور خالد حسين يشدد على ان الحركة مستعدة للحرب وكل تصرفاتها تقول بلسان واحد (من أراد أن تثكله أمه أو ييتم أطفاله فليلتقينا جنوب حدود 56)...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق