الثلاثاء، 2 يونيو 2009

الاحزاب المسجلة .. ما الحقيقة ؟!



الاحزاب المسجلة .. ما الحقيقة ؟!



تقرير : التقي محمد عثمان


الآن بات لدينا تسع وستون حزباً تزيد ولا تنقص، احزاب تتمع بشرعية وشخصيات اعتبارية ويحق لها ممارسة انشطتها ودخول الانتخابات القادمة اذا قدر الله للتحول الديمقراطي ان يمشي على قدمين.
ففي احتفال بهيج بقاعة الصداقة امس امّه جمع غفير من المحتفين والمحتفى بهم استلم سبع وثلاثون حزبا شهادة تسجيل من رئيس مجلس شؤون الاحزاب لمزاولة العمل السياسي وفقا لقانون الاحزاب الجديد، لتنضم الى اثنين وثلاثين حزبا سبق عليها الكتاب.
ويبدأ العجب من الكم الحزبي الوافر من اعلان مجلس شؤون الاحزاب ان 50 حزبا مخطرا فقدت شرعيتها القانونية لعدم توفيق اوضاعها خلال مهلة الـ 90 يوما التي كان حددها القانون، ليصبح السؤال حول هذا العدد المهول للاحزاب مشروعا، وما اذا كان يشير الى عافية ام مرض، في رده يقول الخبير الاستراتيجي الدكتور حيدر ابراهيم ان كثرة الاحزاب ليست دليلا على التعددية الحزبية الموضوعية (واسميه تضخما حزبيا - كما في الاقتصاد، عندما تختل معادلة العرض والطلب حيث يكون سعر السلعة اكثر من قيمتها الحقيقية)، ويشدد مدير مركز الدراسات السودانية في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس على ان هذه الكثرة ليست دليل عافية وصحة، فـ الحزب الحقيقي يفترض فيه برنامجا تفصيليا وواقعيا لمواجهة قضايا تهم الجماهير ولا بد له من اساس فكري يميزه او حتى ايديولوجية، ويطرح الدكتور حيدرابراهيم على نفسه السؤال الأول : هل هنالك فروق واضحة بين هذه الاحزاب الـ 69 المسجلة، والسؤال الآخر: ما هي القوى الاجتماعية او الطبقات الاجتماعية التي انتجت هذا الحزب، ويجيب (المعروف ان الحزب هو تعبير عن مصالح قوى اجتماعية معينة، فهل تعبر كل هذه الاحزاب عن قوى اجتماعية محددة وهل تمتلك هذه الاحزاب كوادر وقيادات مدربة وذات خبرة بالعمل السياسي والبرلماني والحزبي؟) ويضيف بسخرية (في احيان كثيرة تكون لجنتها المركزية وقياداتها هي نفس جمعيتها العمومية وبالتالي لا تستند على جماهير).
بينما يذهب رئيس حزب البعث السوداني محمد علي جادين الى ان الديمقراطية هكذا، قائلا ان الديمقراطية تتضمن ذلك ومن حق اي مجموعة ان تقيم حزبا ويجب ان لا نتخوف من كثرة الاحزاب بل بالعكس هي ظاهرة صحية، فـ هناك مجموعات كثيرة تريد ان تعبر عن وجهة نظرها من خلال منبر حزبي ويجب ان تأخذ فرصتها (المحك هو ممارسة نشاطها واحراز نتائج سياسية واجتماعية)، مشيرا الى ان الحزب يبدأ بفرد واحد. ويقرأ جادين كثرة الاحزاب من زاوية انه يعكس تحولا من النظام الشمولي والحزب الواحد الى التعددية السياسية والفكرية مشددا على ان الحدث كبير ويقول ان هذا التحول جاء نتيجة مخاض صعب وطويل، يتضمن نضال هذه الاحزاب من اجل استعادة الديمقراطية ويتضمن الدور الكبير الذي لعبته اتفاقية السلام الشامل والاتفاقيات الاخرى في هذا التحول الذي هو ليس من الانقاذ وانما انتزعته هذه الاحزاب انتزاعا بنضالها ، ويستدرك جادين في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف امس بالقول ان تسجيل الاحزاب وحده لا يعني التحول الديمقراطي ولا استعادة الديمقراطية، لوجود قضايا كثيرة ما زال فيها صراع مع المؤتمر الوطني بالتحديد، يشمل ذلك القوانين المتعارضة مع الدستور والاتفاقيات وسيطرة المؤتمر الوطني على جهاز الدولة.. ويفسر جادين العددية الكبيرة للاحزاب وتعدد الاشتراك في الاسماء بأن الحزبية السودانية اخذت دورتها وهي الآن تعيش مرحلة تحولات فكرية وسياسية وهذا ما ادى الى الانقسامات مع اسباب اخرى. مشددا على انه ومن خلال الحراك السياسي وضرورات الواقع يمكن لهذه الاحزاب ان تجدد نفسها وتوحد صفوفها في الفترة القادمة، وتوفر المناخ الديمقراطي قد يساعد كثيرا في هذا الاتجاه.
فقط الدكتورحيدر ابراهيم يرى ان هذه الكثرة تعني ان الممارسة الديمقراطية ستشهد مزيدا من الانقسامية والانشطارية والتشتت بينما نحن في حاجة لمشروع قومي شامل يخاطب قضايا الديمقراطية والتقدم الاجتماعي والوحدة الوطنية. مؤكدا ان كثرة الاحزاب لن تؤدي الى الالتفاف والاتفاق حول مثل هذا المشروع القومي.
امر اخير كان لافتا للنظر في شهادات تسجيل الاحزاب وهو الشكل الاحتفالي والكرنفالي الذي تم به تسليم كل حزب شهادته، وحين اتوجه بالسؤال حوله لمحدثيّ لا يختلف الرجلان كثيرا كما اختلفا بعاليه، ويقول جادين ان المظهر الاحتفالي فيه جانبان: الاول ان مجلس الاحزاب يريد ان يعكس انه قدم انجازا وهذا مقدر عندي. الثاني ان الدوائر النافذة في المؤتمر الوطني تريد استغلال هذا الاحتفال وكأنها منحت الاحزاب حرية العمل والنشاط. مشددا على ان المسألة لا تحتاج الى شكل احتفالي، ويقول ان الهدف الثاني فيه خبث سياسي اذ يحاول المؤتمر تجيير المسألة لصالح خطه السياسي والفكري. ليعود ويقول (في الواقع العملي هناك صراع من اجل استكمال التحول الديمقراطي ولا تؤثر عليه هذه الاحتفالية الاعلامية)
ويصف الدكتور ابراهيم الاحتفال بـ واحد من المشاهد المسرحية للتمكين، ويقول (نجحت الجبهة الاسلامية بمسمياتها المختلفة حتى المؤتمر الوطني في ان تفرض رؤيتها على الاحزاب، فنحن لا ننسى ان اغلب هذه الاحزاب رفضت عملية التسجيل، وانتظرت طويلا، الى ان خشيت من استبعادها من الانتخابات، فقبلت بعملية التسجيل، في مشهد مسرحي، كأنه امتداد لعملية التوالي التي وقفت هذه الاحزاب ضدها طويلاً).

.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق